- محمود ياسين
لا تحدثني عن القضاء الفاسد، وتقوم الآن بتجيير أخطاء بعض القضاة في عملية كسر عظم بين المؤسسة القضائية وبين ارتجال قضاء تتم صناعته على عجل ووفقا لحاجة بعض المتنفذين، أو وفقا لوهم حاجة سلطوية لا تدرك أنها بزعزعة المؤسسة القضائية قد ترسخ نفوذ وقبضة السلطات وتزعزع في ذات الوقت فكرة الدولة.
اصمدوا فحسب يا قضاتنا، عدد كبير منكم حوثيون بوغتوا هم أنفسهم بإجراء لم يستثني حتى الذين جهدوا في الحفاظ على إيقاع المؤسسة القضائية وهيبتها.
هذه أول معركة الآن، ليس بينكم وبين الحوثيين، ولكنها بين الارتجال ووهم السيطرة الكلية القسرية وبين فكرة الدولة، الدولة بوصفكم أحد أهم تمظهراتها سواء أرادت السلطات دولة أو أرادت تسلطا محضا.
لا تتراجعوا، وليس عليكم اجتراح معجزات، تمسكوا فقط بما اعلنتموه وبما أتبعتم من منهج هو متبع في كل العالم أيا تكن التحولات وصعود وانهيار القوى، هذا النظام القضائي المتبع في كل العالم، يرتشي قاضي ويمتنع إثنان عن هدر العدالة مقابل حفنة من الريالات، الريالات التي يحتاجونها في ظروف كهذه حد الضرورة، لكن القضاء وحده وفي كل ظرف ومصيبة واختبار يظل وحده من لا يستحل الميتة.
عملية الإحلال المقترحة لا تخلو من تجريب طفولي وبذريعة “القضاء فاسد” وبوسع أي مختصم لم تلائمه الأحكام إطلاق هذه التهمة وتعميمها، مابالك وإن تأتي من رجال لا يكتفون من النفوذ ومستميتين في استبعاد أي فكرة أخلاقية قد تتهدد نفوذهم الذي بلاسقف، والقضاء فكرة أخلاقية عصية على الترويض حتى في أعتى الديكتاتوريات، وإلا لما كان قضاء.
هذه التركيبة المتداولة في العالم هي عناصر المؤسسة المعروفة، محاكم إبتدائية وجزائية واستئناف ومحكمة عليا، وحصانة القاضي أكثر جدوى وأهمية حتى من حصانة عضو البرلمان فلا تتخلو عنها.
إن خسرتم خسر الجميع وأولهم فكرة الدولة والكاسب الوحيد هو مبدأ الاستئثار والسلطة المطلقة وإن كسبتم حظينا أولا بمبدأ التدافع الآمن دون انهيارات وفوضى، وسيكون هذا التدافع في سياق تكون الدولة لا ضدا لها، سنحظى جميعا بأول أمل لإمكانية “دولة الجميع” لا دولة الجماعة.