لنْ تَحطَ العصافيرُ، لأن لا أحد سيبذرُ القمح
- كتب: ريان الشيباني
في قريةٍ صغيرةٍ، عاشَ عجوزٌ أحمق. ومع أنَ له عائلة كبيرة، إلا أنَّه غَرَسَ في قلوبِهم الكُرهَ، فتكاثرَ كسنابل الموسمَ المَطِير.
طفلًا كانَ على ما في وجههِ من تجاعيد، وعلى ما في طلّتِهِ من نفور. أثبتَ في فلسفة عنادِهِ، أنهُ يمكنْ للمرءِ أن يكونَ مكروهًا مع مكانتهِ الطبيعيةِ كربِ أُسرة.. ليسَ بالضرورةِ أنْ يكونَ لديكَ أبناءٌ، أو أحفادٌ، وتكونَ- في نفسِ الوقتِ- مَسؤولًا.
بالإمكان أنْ تحتفظَ بكونكَ الصبيَّ المشاغبَ، حتى تتوكأ على عصًا، أو تدلفَ حبوًا عتبة التسعين. ذاتَ صباحٍ، وهو يلاحقُ حفيدَتَهُ ليسرقَ قطعةَ وَيْفَر من جيبَ صدريتها، تزحلقَ فانكسرتْ ساقه.
وذاتَ صباحٍ صَنَعَ لنفسهِ موتًا من أروعَ ما يكونْ. لم يَقُل لهم أنهُ متوعكٌ، لم يُردْ أن يستشيرَ أحدًا في النهاية التي يُريدَها لنفسه، لم يُردْ للشفقةِ أنْ تأتي على ما ارتضاهُ من الصلف.
وَضَعَ رأسَهُ على الوسادة، ونَام نومًا عميقًا وأبديًا.
لم يَكُنْ لِيَسمحَ لنَفسهِ بابتسامةٍ مخاتلةٍ وهو في نَعْشهِ، مَاتَ وفي تقاسيمهُ عرعرة ملحة وعجولة.. كثيرونَ هم الذينَ أرادوا أنْ يُلقوا عليه النظرةَ الأخيرة. أقْسَمُوا أنَّ الجثةَ قالتْ لهُم شيئًا، بَصَقَتْ في وُجوههم، ولَعَنَتْهُم لعنةَ وداعٍ أخيرة. مع ذلكَ بَكى ثلاثةُ من أقاربهِ، كي يُظهروهُ للمرةِ الأخيرةِ، أحمقَ؛ عَدَاهُم.
كانتْ شمس اليومَ التاليَ لموتهِ مُشرقة، وسماؤُها صافية، لأنَّ الحمقى لا يقبلونَ ابتزازَ طقس العالم لهم بعد رحيلهم، لأنّهم في النهاية يَظلونَ حَمْقى ميتيين.
الشيءُ الوحيدُ الذي لا يَستطيع أنْ يُجردَهُم أحدٌ منه، كونهم كُرَماء.. لأنهم وقد استحقوا البُغضَ والضغينةَ، اشتروا ألا يَدمعَ فوق نُعوشِهم المُزيفون، ذهبوا ويَقينهم في ملامحهم، بأنْ لا أحد سيغرقُ في الحزن، لن يُخلفوا وراءهم مكتئبينَ ولا أحزانًا طويلةً. لَنْ يَأتي الأعزاءُ ليزرعوا وردًا بجانبِ شاهدةَ قبورهم، ولنْ تَحُط العصافيرُ، لأن لا أحد سيبذرُ القمح.
- اللوحة لكريم حلمي