- يحيى الحمادي
كآخِرِ مَن يَلِيقُ به الضَّيَاعُ
أُوَدِّعُ مَن يَلِيقُ بها الوَداعُ
وأَحزِمُ كُلَّ أَمتِعتي؛ وما لي
سِوى تَعَبي، حِزامٌ أَو مَتاعُ
وأَنتظرُ الرِّياحَ.. بِشَوقِ نايٍ
إِلى النَّفَسِ الأَخيرِ به اندفاعُ
وأَطبَعُ قُبلتَينِ على تُرابٍ
تَشَبَّثَ بي، وقد خَفَقَ الشِّراعُ
وأُوشِكُ أَن أَغِيبَ.. فيَعتَريني
حَنينٌ، بِالرُّجوعِ له اقتِناعُ
وها أنذا أَعُودُ، وليس بيني
وبين تَغَـرُّبي إِلّا ذِراعُ!
لقد مَلَأَت بلادي كَأسَ قلبي
فليس لِغيرِها فيه اتّساعُ
أُطِلُّ على الخَريطةِ مِثلَ نَجمٍ
عَجُوزٍ، ما لِشُعلتِهِ شُعاعُ
وكالشَّبَحِ الضَّريرِ أُشِيرُ نحوي
وما لِمَلامِحي عني انطِباعُ
وليس يَمُرُّ بي كالنّاسِ يومٌ
وليس عليه مِن كَبِدي رِقاعُ
وكنتُ مِن الصُّداعِ أُرِيحُ رأسي
ولكن أَصبَحَ الرأسَ الصُّداعُ
وكُنتُ على الجياعِ أَنوحُ.. لكن
(أَضاعُوني.. وأيَّ فتًى أَضاعوا)!
وكنتُ إِلى القصيدةِ مِن همومي
أَفِـرُّ.. فلم يعد يُجدِي الخِداعُ
ولولا أَنَّ لي في الـهَمِّ باعًا
طويلًا، لم يكن لِلشِّعرِ باعُ
صِلُوا هذي البِلادَ، أَو اقطعوها
فليس لِأَهلِها منها انتِفاعُ
بلادٌ لِلدَّخِيلِ تَبِيضُ دُرًّا
وما لِصِغارِها منه الْتِماعُ
وليس بِصادِقٍ منها هُجومٌ
ولا بِمُصَدَّقٍ عنها دِفاعُ
تُحَـرِّرُها الجَماجِمُ كُلَّ يومٍ
وتَسقُطُ كلّما عُقِدَ اجتماعُ!
وتُشعِلُ هُدنةً بِدِماءِ أُخرى
وحَسرةِ مَن يُطِيعُ ولا يُطاعُ
بلادٌ لِلصِّراعِ.. بها وُلِدنا
وشِبنا.. والصِّراعُ هو الصِّراعُ
وشَعبٌ كان بين يديه حَقٌّ
فَأَنكَرَهُ، وصَدَّقَ مَن أَذاعوا
ونافَقَ بِالولايةِ، وهو يَدري
بأَنَّ ولايةَ اللهِ اقتراعُ
فلا هو كي يُصَدِّقَها غَشِيمٌ
ولا هو كي يُكَذِّبَها شجاعُ
تَقَمَّصَهُ السَّرابُ، وكان ماءً
كما يَتَقمَّصُ الـدِّينَ النزاعُ
وطُـبِّعَ لِلهَوانِ، فما تَأَبَّـى
ولا غَلَبَت تَطبُّّعَهُ الطِّباعُ
وها نَفَتِ الإِشاعةُ كُلَّ صِدقٍ
وصَدَّقَتِ الحَقيقةُ ما يُشاعُ
فحَتَّامَ البُكاءُ مع البواكي
على مَن يُقتَلُونَ وهم جياعُ!
وحَتَّامَ الرُّكونُ إلى احتمالٍ
ونحن على المُحالِ لنا اطِّلاعُ!
يَمانيّونَ نَحنُ.. أُولُو جِدَالٍ
يَطُولُ.. ولا يُساوِعُهُ استِماعُ
أُولُو بَأسٍ.. ولكن لِلأَعادي
بَنادِقُنا تُؤجَّـرُ، أَو تُباعُ
نَحِـنُّ إلى البلادِ.. ونَحنُ فيها
وما لِعذابها عنّا انقطاعُ
ونَرفَعُ سافِلِينَ، وليس فيهم
(يَغُوثٌ) يُستَغاثُ، ولا (سُوَاعُ)
ولستُ بِآسِف إِن قُلتُ: إِنّا
رِعاعٌ..
إِنّنا حَقًّا رِعاعُ
وإِلَّا كيف طابَ لنا رُقادٌ
وفوق فِراشِنا هذي الضِّباعُ!
وكيف تَخضَّبَت بِدَمٍ خُدُورٌ
وما انتَفَضَ(السّحُولُ) ولا (ضُلاعُ)!
أَقولُ لِصُحبَتي وقد ازدَحَمنا:
أَمَا لِسُقوطِنا هذا ارتفاعُ!
لقد غَدَتِ الزّواحِفُ طائراتٍ
علينا..
لم يعد لِلقاعِ قاعُ
وقد هَطَلَ الظَّلامُ على عَمانا
وقد خَرَجَت مِن الكُتُبِ السِّباعُ
فكيف يُعِيدُنا مَن ليس منا
وكيف يُحِسُّ بِالخَجَلِ القناعُ!
إِذا ما حُرِّرَت منهم عُقولٌ
مُلغّمةٌ، تَحَرَّرَتِ البِقاعُ
وإِن غَدَروا بنا، فلنا قَضاءٌ
يَغِيبُ، لِيَستطيعَ كما استطاعُوا
لكل قضيّةٍ جَسَدٌ ورُوحٌ
إِذا التَقَيا، فكُلُّ حِمًى مَشاعُ
يَقِينِي بالبلادِ يزيد يومًا
فيَومًا.. لا بما نَزفَت يَراعُ
وأَعلَمُ أَنَّ هذا الشّعبَ حَيٌّ
وأَنَّ نهايةَ القَدْحِ اندِلاعُ
وأَنَّ لكل مَن ظَلَمُوا حِسابًا
يُباغِتُ كالقَضاءِ، ولا يُراعُ
ويأخذُ حقَّهُ أَخذًا وَبِيلًا
وليس بشأنِهِ صاعٌ وصاعُ
إذا ما البَحرُ ثارَ فليس يُنجِي
مِن الغَرَقِ الشراعُ ولا الذراعُ