- كتب: أحمد السلامي
تشعر بالملل وأنت تقرأ التحليلات التي لا تفهم مجتمعك، ولا أقول تتفهمه، لأن الجميع تحولوا منذ السبعينيات إلى مستشرقين ومستهلكين بارعين للمقولات والكليشيهات الجاهزة عن كل شيء. فالحديث عن ثنائية التخلف والتقدم ظل يحتكم إلى معايير من خارج الواقع وظروفه وما يغيب عنه من بدائل ضرورية لإنتاج وصناعة التحديث وتوطينه.
أتذكر أن باحثين أوروبيين كانوا يزورون صنعاء من فترة لأخرى، وكان الجميع يسمعونهم ما يحبون سماعة. حتى أننا انخرطنا كلنا في تبني توصيفات نظرية جاهزة لطبيعة المأزق السياسي والاجتماعي في اليمن، وكانت توصيفات بعيدة عن الواقع، ومفصلة تماما على مقاس أيديولوجي محدد سلفا، وتبني منطقها على أساس تحميل المجتمع وحده مسؤولية التخلف، بينما تستأثر النخبة لنفسها بمهمة الكفاح في سبيل التحديث والقضاء على التخلف المقيت. التخلف الذي لم ندرسه جيدا ولم نتأمل تأثير عجز الدولة وتمركز سلطاتها الافتراضية في العاصمة وبعض المدن على استمرار المجتمع في الحفاظ على آليات حمائية ذاتية لتسيير شؤونه وملء الفراغ الشاغر لديه بالبدائل التي يعرفها ويجيدها.
لن تختلف قراءتنا لصورة الطفل الذي يحمل بندقية آلية أطول من قامته، لكنها تبقى قراءة ناقصة، لأنها تذهب إلى السهل والمكرر من المحفوظات والتوصيفات الغنائية التي تتحدث عن تجنيد الأطفال، وانتشار السلاح في ظل سطوة القبيلة وهيمنتها.
لكن الصورة تشير في الواقع إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير، وأول مدخل لمحاولة فهم ما الذي يجري في اليمن ينبغي أن يقود من يتطوع للقيام بهذه المحاولة إلى التواضع قليلا، وإعادة النظر بشأن بعض التوصيفات التي يعتبرها حقائق مطلقة ونهائية.
أعتقد أن على المحللين والباحثين السياسيين- سواء كانوا من داخل أو من خارج البيئة اليمنية – أن يعيدوا النظر بشأن فهم طبيعة وأسباب تمسك القبيلة في اليمن بحمل السلاح، وقبل ذلك أسباب التمسك بالعرف القبلي والعادات والتقاليد والزعامة ممثلة بمرتبة الشيخ وما يليها من مراتب ذات صلة بالوجاهة الفعالة، والتي يتوافق المجتمع برضاه على منحها صلاحيات بعضها قد توازي سلطة الجهات الضبطية والعدلية مجتمعة في شخص واحد.
إنه الفراغ الكثيف والمستمر يا أساتذة لرمزية الدولة والنظام والقانون والعدالة، ولا مجال هنا لإضافة أية كلمة.