- حسن الدولة
الكتابة عن فنان كبير متعدد المواهب كالأستاذ عبدالرحمن محمد الغابري لا يتسع لها مقال واحد، فهو الذي أشتغل بفن التصوير الفوتوغرافي منذ عام 1968م، وهو الموسيقي عازف الجيتار حد العشق حيث ظل يرتدي قبعة الكوبوي عازفي الجيتار الامريكيين حتى اليوم، وهو ملحن وعازف عود موهوب ، وله ألحان غنائية كثيرة وقد لحن قصيدتين للشاعر الكبير الأستاذ عبدالله البردوني ، وهو ممثل ومخرج سينمائي ومخرج مسرحي درس فن الإخراج المسرحي ونال درجة إمتياز ، وهو كاتب وصحافي مائز وشهير ، كما أنه أحد المؤسسين لنقابة الصحفيين اليمنيين، وهو حاليا عضو اتحاد الصحفيين العرب، وعضو اتحاد الصحفيين الدوليين، ويشغل منصب رئيس اتحاد المصورين العرب إقليم اليمن، والمدير التنفيذي لمؤسسة الهوية اليمنية، وهو الناشط السياسي، والمناضل من نهاية عقد ستينيات القرن العشرين ، المنافح عن الفنون من عهد الرئيس علي عبدالله صالح الذي تواطأ مع حركة الإسلام السياسي في إغلاق دور السينما وتوقيف النشاط المسرحي ،
وبهذه المناسبة ..ولكي نتعرف عليه فيجدر أن نعرج على ترجمة له ، هو الأستاذ عبدالرحمن بن محمد الغابري المولود في قرية القشعي إحدى قرى ( عتمة ) الجميلة التي تتمتع بأجمل المناظر ولعلها هي التي كانت سببا في ولوعه بالتدوين الضوئي ، و ( عتمة ) إحدى نواحي محافظة ذمار ، حيث رأى النور عام 1956م ، ومحافظة ذمار التي ينتمي إليها فناننا القدير هي المحافظة التي انجبت الأفذاذ العباقرة والمناضلين الكبار أمثال الرائي خالد الذكر الأستاذ / عبدالله البردوني ، والمناضل احمد عبدالوهاب الوريث، والشهيد / زيد الموشكي ، ورجل الإقتصاد الاستاذ/ محمد عبدالوهاب جباري ، والعلامة /حمود بن محمد الدولة، والشعراء منهم / عبدالله بن يحيى الديلمي والأستاذ/ إسماعيل الوريث رحمة الله تغشاهم أجمعين والشاعر /عباس علي الديلمي مد الله بعمره وغيرهم…
إنتقل الأستاذ عبدالرحمن إلى صنعاء إلى صنعاء عام وهي طفل في السن العاشرة تقريبا عام 1966م فترعرع فيها ودرس، وقد حصل لأول مرة على كاميرا روسية الصنع، وعمل مصورا في التوجيه المعنوي، ثم فيما بعد أسس ارشيفه – أي ارشيف التوجيه المعنوي – وانتقل للدراسة في بيروت عام 1975م ، وهناك صقل موهبته وشارك في تصوير أفلام تسجيلية عديدة عن الحروب منها “كفر شوبا النبطية” و”مكان الولادة فلسطين” وغيرها من الأفلام التي وثقت ضوئبا مجازر مخيمات الفلسطينيين في صبرا وشتيلا، كما أن الغابري يحتفظ في ارشيفه الفني أكثر من مليوني صورة، هذه الثروة تصلح لأن تكون متحفا أنثروبولوجيا يحتوي على أجمل اللحظات في تأريخ اليمن، وثق من خلالها لحظات تاريخية نادرة و شخصيات سياسية وأدبية وفنية واجتماعية ، وقد اهتم بالزي اليمني للمرأة الريفية ، فكانت مادة خصبة للفنانين التشكيليين كما وثق للطبيعة والبيئة والتراث والمعالم التاريخية، حتى اطلقت عليه القاب كثيرة منها: “ذاكرة اليمن الضوئية”، و”صائد الجمال”، و”ذاكرة اليمن الفوتوغرافية” و” الغابري ذاكرة اليمن المعاصر” و” والغابري ذاكرة اليمن المفقودة” و “الغابري ذاكرة بلد”. الغابري ارشيف اليمن في نصف قرن”….الخ.
تعرفت عليه قبل أن ألتقيه وأجلس معه عام 1980م عن طريق شقيقه الصحافي الراحل زيد الغابري ، ثم توثقت علاقتي به أكثر في المنتدى الأسبوعي للدكتور عبدالعزيز المقالح، وأخيرا في منتدى الصديق المشترك الأخ فيصل سعيد فارع، وفي كل مرة أكتشفُ فيهِ موهبة جديدة..
لكن فن التصوير الفوتوغرافي قد طغى على جميع مواهبه، كونها الموهبة الأبرز بين كل مواهبه حيث أحتفظ لنا بلحظات الحياة لتبقى معنا إلى الأبد، والكثير من الكلمات غير كافية لشرح فن التصوير عند الأستاذ الغابري الذي يمتلك أدوات فعالة ومؤثرة تجعل من الصورة التي يلتقطها مصدر معلوماتي هام، إذ يلتقطها بطريقة إحترافية متميزة ، ولذا نجد الصور التي التقطها بعدسته تتصدر الكثير من صفحات موقع التواصل الاجتماعي ، وله مشاركات دولية وقد أقام اكثر من 80 معرضا فوتوغرافيا في الداخل والخارج ، ويعتبر من أبرز الفنانين الفوتوغرافيين على مستوى الوطن العربي الذين استخدمت صورهم الفوتوغرافية في اعمال التشكيليين ..
وغني عن البيان ما للتصوير الفوتوغرافي من أثر على الفنون التشكيلية، تمثل ذلك في التخلص من معيار المحاكاة والدقة في التصوير ما أدى إلى ظهور العديد من التجارب الفنية الحديثة والمعاصرة كالتجريدية والتكعيبية وسواها من الحركات الفنية التي رفضت معيار المحاكاة، وبحثت عن فلسفة فنية جديدة كما أنه – اي الغابري- من أولئك الفنانين الذين تمكنوا من استخدام الصورة الفوتوغرافية في التعبير عن رؤاه الفنية وفلسفته في الحياة، خيث ركز على دمج الصورة الفوتوغرافية في اللوحة الفنية التشكيلية حيث احتلت الصورة الفوتوغرافية موضعا هاما في فن ما بعد الحداثة الذي اتصفت بالتجريب في الخامات والتقنيات إيمانا منه بحقيقة عظمة الجهد الإبداعي لهذا النوع من الفنون، وكإنتاج يمتلك شكلا ويحدث تجربة انسانية ومحاولة من أجل تشكيل المادة الأولية لتصبح بمثابة الجوهر الحقيقي للعمل الإبداعي، إذ أن المادة الفوتوغرافية في حد ذاتها تنطوي على قيمة جمالية…
ولم أجد وصفا ادق مما وصفه الأستاذ عبدالباري طاهر في مقالة له موسومة بـ: ” الفنان الشامل عبدالرحمن الغابري” فقال: ((عبد الرحمن الإنسان البسيط بساطة الحياة، والمتواضع كالابتسامة، والصادق صدق اللوحة الفنية برز نجمه في الحياة كعازف جيتار، وكفنان موهوب. اشتغل في المسرح كممثل وعازف، ومنذ البداية كانت الموهبة الأكثر جذبًا وعطاء هي التصوير، عبد الرحمن أيضًا خلق من الصورة وثيقة ثقافية وتاريخية وجمالية إبداعية، وقيمة حضارية ناطقة وشاهدة.
صوّر معالم اليمن الحضارية وصور بشرها رجالاً ونساء، وصور الطبيعة، وغرامه بالحياة الريفي))
بهذا الوصف الدقيق استطاع استاذنا الجليل عبدالباري طاهر ان يقول لنا من هو الفنان متعدد المواهب عبدالرحمن الغابري الذي نال العديد من الأوسمة والجوائز منها جائزة حمدان بن راشد آل مكتوم ، وقد كرمته وزارة الثقافة اليمنية، ومنحته درع الوزارة تقديرا لابداعاته، وعرفانا بإسهاماته المتميزة في فضاء الصورة الفوتوغرافية، ونختم حديثنا بما قاله لأستاذ عبدالرحمن الغابري عننفسه وعن مدى ولعه بفن التصوير: “منذ الطفولة وأنا أحلم بأن اجسد وأدون ضوئيا المشاهد الرائعة في قريتي وحينها كنت لا أدري كيف كنت اتخيل المشهد وارسمه في ذاكرتي، حيث لم أكن أعرف الكاميرا ولا أمتلكها ولا أعرف حتى شكلها، ما كنت أعرفه هو مجرد صور شخصية كان يرسلها أخي الأكبر زيد رحمه الله الذي كان يدرس في العراق قبل الثورة في منتصف القرن الماضي، وقد ظليت أحلم بالحصول على آلة التصوير الساحرة التي تنقل المشاهد كما هي، وتوالت السنوات حتى تخصصت في مجالات فرز الألوان والتصوير الزنك وغراف وحصلت على أول روسية الصنع ثم تطورت هوايتي إلى الاخراج وفن التصوير السينمائي ” هذا هو الاستاذ عبدالرحمن الغابري الانسان البسيط والمتواضع والمثقف والكاتب والناقد وختاما اتوجه بالشكر للأستاذ سعد الحيمي الذي حفزني للكتابة عن الصديق الفوتوغرافي الفنان.