- مروة عبدالواحد
إنه يوم الجمعة، اليوم الذي ننتظر أنَّ تشرقَ شمسه بفارغ الصبر لنغادر أسِرَّتنا. نستيقظ في هذا اليوم مع صياحِ الديك، نصلي، نرتدي ملابسنا الجميلة في الوقت الذي تعد أمي خبزها الشهي ويتفقد أبي حال سيارته لنسافر بها إلى القرية.
هناك، حيث ولد أبي وتربى، تعيش جدتي وجدي بمفردهما حياة الريف الهادئة البسيطة، تذهب جدتي كل صباح لرعي الغنم ويذهب جدي إلى العمل في البستان، وما إنَّ يفرغا حتى يجتمعا مجدداً حول مائدة الغداء.
في المساء، تبدأ جدتي بغزلِ الصوف وربما تسامرت مع نساء القرية بينما يشاهد جدي نشرة الأخبار المسائية أو يتسامر بدوره مع الرجال.. كانا ينتظران هذا اليوم بنفس الحماس الذي ننتظر فيه هذه الزيارة، وما إنَّ نصل إليهما ونتبادل التحايا والأحاديث حتى نتجه برفقة جدي ووالدي إلى البستان بينما تظل أمي مع جدتي تُعدان الغداء قبل أنّ تلحقا بنا.
أعتدنا أن نجد أشجار جديدة بالإضافة إلى تلك التي تعرفنا ونعرفها منذ كنّا صغاراً؛ فكم من مرة تسلقنا أشجار التفاح وكم من مرة تحدثنا ببراءة إلى أشجار الإجاص، المثير للدهشة حقاً أنّ كل شجرة هنا تحمل اسما حقيقيا من أسماء البشر وذلك لأن أهل القرية كلما غادرهم أحد إلى جوار الله، جاؤوا إلى جدي ووضعوا بين يديه مالاً ليشتري به بذورا ليزرعها في بستانه، وما إنّ تبدأ في النمو حتى يطلق عليها اسم الشخص الراحل وما إنّ تبدأ في الإثمار حتى يذهب حصادها إلى الأيتامِ والفقراء، قال جدي لنا :”ذات يوم، سيزرع والدكم شجرة لي وسيطلق عليها اسمي”.
مجدداً، إنه يوم الجمعة، ونحن في طريقنا الآن إلى زيارة جدتي بعد أنّ غادر جدي إلى السماء، لم أرَ جدتي تبكي بل رأيتها تبتسم وهي تقول لأبي: ” لقد ترك لك والدك هذه البذور لتزرعها “، ورأيت والدي يزرعها وهو يقول لنا ممازحاً: ” لقد أصبح جدكم يا أطفالي شجرة”