- كتب: صلاح اسماعيل
(1) رسم بشكل شبه المنحرف:
يختلف الفن التجريدي عن باقي فنون الرسم والتشكيل بأستخدام الفنان الرمزية في التعبير عن فكرته. لذلك يحتاج أي عمل تجريدي إلى رؤية أعمق للعمل وليس فقط التمتع بجمال اللوحة كحال الفن الواقعي.
إذا أخذنا النماذج الفنية المرسومة على ألواح صخرية والمرموزة بين al-Jawf 04.179 إلى al-Jawf 04.237. وجدت في الجوف، تعود لمملكة معين، الآلف الأول قبل الميلاد، سنجد رسومات تجريدية لوجوه على الشكل الهندسي شبه المنحرف مختلف الأضلاع. العينان الفم على الشكل الهندسي المُعيّن وفي نفس الوقت حرف الفاء المسندي “𐩰”. الأنف تأخد الشكل الهندسي المستطيل وفي نفس الوقت حرف الباء المسندي “𐩨” مقلوبا. حرف الباء المسندي عبارة عن مستطيل ثلاثي الأضلاع. أما الرمشان فيأخذان شكل الخط الهندسي المنكسر أو المتعرج ، كما يشكلان معا حرف الشين المسندي “𐩦”. أنظر الشكل رقم1.
هناك تساؤلات تطرح وتحتاج إلى تحليل معمق يعود بنا إلى زمن انتاج هذه الألواح من أجل فك الرمزية فيها. على سبيل المثال ما الذي تعنيه العينان على الشكل الهندسي المعين والذي يشبه أيضا حرف الفاء بالمسند؟ القراءة المجردة بمفهوم اليوم لن تجدي دون معرفة السياق التاريخي لها.
هذه الرسومات التجريدية ليست أشياء بدائية من حيث الأسلوب وإن كانت قديمة جدا من حيث العمر وهذا ما يجعلها مذهلة. إنها ليست مجرد شخبطات بل تعابير رمزية تستخدم فيها الخطوط والأشكال بما يتيح للناظر التحليل والتساؤل عما يقصده الفنان.
فالتجريدية المعاصرة -بدأت في القرن التاسع عشر- تعتمد على تجريد الشكل الطبيعي إلى هندسي أو رمزي باستخدام الأشكال والخطوط والألوان وغير ذلك.
إنها البساطة التي تختلف اختلافا كليا عن البدائية، لأنها بساطة معقدة تعتمد على تجريد الشيء من الشكل الطبيعي له إلى تمثيله بالأشكال والخطوط والرموز. لذلك البساطة هنا عبقرية وليست بدائية مطلقا، عبقرية الفكرة بأن تحول ملامحا طبيعية إلى رمزية من مجموعة أشكال مركبة على بعضها، في تجلي مبكر لخصوبة الخيال الفني لدى قدماء اليمنيين.