- كتب: عبدالرحمن الربيعي
يضطر حسام عبدالله للسفر حوالي ثمان ساعات من مقر عمله في منطقة الحوبان حتى يصل إلى منزله الواقع في منطقة كلابة وسط مدينة تعز، وفي السابق لم تكن المسافة الفاصلة بين عمله ومنزله تتجاوز ال15 دقيقة، لكن الحرب تسببت بتقسيم المدينة إلى أجزاء بين طرفي النزاع جعلت الوصول من جهة إلى أخرى بالغة الصعوبة بالنسبة إلى حسام وبقية المواطنين.
بداية الحرب
منذ بداية الحرب في اليمن في مارس/ آذار 2015، شهدت مدينة تعز أعنف المعارك الدائرة بين القوات المدعومة من قبل الحكومة المعترف بها دوليا والتحالف العربي الذي تقوده السعودية من جهة وقوات أنصار الله (الحوثيين) من جهة أخرى، وكانت قد استطاعت قوات الحوثيين السيطرة على المدينة بالكامل بعد إن خاضت معارك كثيرة هناك، إلا أن قوات تابعة للحكومة المعترف بها دوليا والتحالف استطاعت في العام 2016 من السيطرة على أجزاء كبيرة في المدينة ودحر قوات الحوثيين.
وفي وقت آخر من العام توقفت المعارك هناك بعد أن سيطر الطرفين على أجزاء مختلفة من المدينة، إذ سيطرت القوات التابعة للحكومة على المدينة من الداخل وبعض المناطق المحادية للمناطق الجنوبية، بينما سيطرت قوات الحوثيين على مداخل المدينة باتجاه مناطق سيطرتها بالإضافة إلى منطقة الحوبان وبعض مداخل المدينة، ما جعل الجماعة تفرض حصارا غير مسبوق على كافة مداخل المدينة.
وتعتبر منطقة الجمهوري وجولة القصر مناطق نزاع بين جماعة أنصار الله (الحوثيين) من جهة والقوات التابعة للحكومة المعترف بها دوليا من جهة آخرى، الأمر الذي جعلها منطقة مهجورة بالنسبة للسكان ومن ناحية أخرى فإن القوات هناك عمدت إلى زرع المناطق بالالغام والثكنات العسكرية بالاضافة إلى سيطرة القوات العسكرية على تلك المناطق بقوة السلاح، ما جعل المرور منها بالأمر المستحيل من قبل المدنيين.
إغلاق الطرق الرئيسية
أثناء سفره يمر حسام عبر طريق جبلي من منطقة الحوبان باتجاه الغرب عبر سلسلة جبلية هناك وتلف المدينة وصولًا إلى الطرق الآخر، عبر وسيلة دفع رباعية “صالون” ، كونها الوسيلة الوحيدة القادرة على اجتياز هذه الطرقات الوعرة، يقول حسام أنه يضطر للمكوث بالفرزات لساعات حتى يتم اكتمال عدد الركاب، وهو حاملًا عنا التفكير الذي يصاحب كل راكب جراء ماقد يواجههم في نقاط التفتيش.
في الساعة 8 صباحًا ، تحركت السيارة التي تنقل حسام ورفاقه من منطقة الحوبان ، عبر الطريق الترابي الموادي إلى “نقيل الإبل”، ومن هنا بدأت اول المخاوف التي توقعها حسام حيث أوقفهم أول حاجز عسكري وطلب منهم بطائق الهوية، وللأسف بأن أحد الركاب لا يملك هوية لقد سقطت منه، مما أدى إلى عرقلتهم لما يقارب ساعة، وبعد ذلك تحركوا مرورًا باتجاه منطقة “الراهدة” وفي منتصف الطريق تفاجوا بزحام شديد مكثوا فيه لساعتين كون هذه المنطقة عبارة عن طريق ضيق جدًا لا يسمح بمرور سيارتين معًا، وهذا ماجعلهم ينتظرون على حافة الطريق بين حراراة الشمس المحرقة حتى ينتهي الزحام، وبعدها أكملوا السير وصولاً إلى منطقة “الدمنة” الطريق المتعجرف والمنعوج على زاويات مخيفة يطر السائق المرور ببطئ لساعات آخرى حفاظًا على استقرار السيارة المتمائلة من مكان إلى آخر وصولاً إلى أعلى جبال مدينة تعز “صبر الموادم ” ارتفاعات شاهقة ومخيفة في ذات الوقت يشعر الجميع بالرعب، ما يجعلهم يتشبثون ببعضهم البعض بأمل أن التشبث قد ينجيهم من خطر السقوط أن حدث بشكل مفجاء حتى وصولاً إلى نجد قسيم الكائن “بمديرية المسراخ ” المنطقة الاقل خطورة التي تعيد ارواحهم لاالتقاط بعض الانفاس، قبل وصوله إلى السوق المزدحم بابناء هذه المنطقة مما يجعلهم يتعوجون يمينًا ويسارًا وينتظرون مابين منظقة الى آخر محاولين تجاوز هذا السوق.
ما أن تصل السيارة منطقة الضباب غربي المدينة حتى يعود شعور الجميع بفرح النجاة من طريق الموت، ما يساعدهم على التقاط انفاسهم و استنشاق هواء مدينتهم ، بعد مخاوف وعرقلت مميتة عاشها الجميع ، بين الوصول و الثناء ، هذا ما شعر به حسام ورفاقه بعد أن ظلت ارواحهم معلقه ل 8 ساعات متتالية.
منذ 8 سنوات وابناء تعز يعيشون هذا الحصار، المزري ضد الإنسان والانسانية ، الأمر الذي تسبب بمعاناة شديدة للسكان والمرضى وكبار السن ، من حيث التنقل والسفر ، ومن حيث الصعوبة المعيشية في ارتفاع المواد الغذائية المساعدة على العيش والبقاء ، هكذا يتجرعون المواطنين معاناة و اوجاع عام تلو عام إلى أن أصابهم اليأس والإحباط ، من مرارة الحياة.
وفي الثانية من أبريل / نيسان 2022 تمت مناقشات في العاصمة الأردنية عمان الممثلة بالحكومة اليمنية وأنصار الله (الحوثيين) ، ملف فتح الطريق في تعز وغيرها من المحافظات اليمنية ، برعاية الأمم المتحدة وفي هذا الاجماع أعلنت هدنة ، تتضمن وقف إطلاق النار ، وتنص على إطلاق سراح جميع الأسرى من الطرفين ، وبالإضافة إلى عودة تشغيل مطار صنعاء الدولي أمام الرحلات الجوية المدنية، وميناء الحديدة أمام سفن النفط ، وبالإضافة إلى فتح الطرقات البرية بين المحافظات ، وخصوصًا الطرق الرئيسية التي تؤدي إلى مدينة تعز.
وحينها لاقى إعلان الهدنة تفاولًا واسعاً اعاد للمواطنين الامل بالحياة ، ولكن بعد مرور أكثر من شهر على هذه الهدنة ، لم تنفذ أي من البنود التي تضمنتها ، سوى وقف الضربات الجوية للتحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية ، وفتح ميناء الحديدة أمام سفن المشتقات النفطية، ومؤخرًا وصول رحلات مدنية إلى مطار صنعاء الدولي، بينما أستمرار إغلاق الطرقات البرية بين المحافظات ، ولا تزال تعز محاصرة حتى هذه اللحظة.
وهذا ماتسبب بعودة الشعور بالإحباط لدى المواطنين في مدينة تعز ، باهمال بنود الهدنة والتغاضي عن فك الحصار وفتح الطرق الرئيسية لمدينة تعز ، مما جعلهم يعيشون التوتر والنفير والخروج بوقفات احتجاجية تنادي بتنفيذ فك الحصار الموحش الذي يشكل أبشع الجرائم الإنسانية في حق المدنيين .
معاناة الحصار
هذا هو حال حسام وغيره من المواطنين ، الذين يعانون من الحصار الخانق ، بداية من حالات المرضى داخل المدينة ، تفاقم حالاتهم المرضية نتيجة إغلاق الطرق الرئيسية حيث تموت بعض الحالات الإنسانية والمرضى في الطريق جراء تأخر وصولهم للمستشفيات في الوقت المناسب بسبب وعورة الطرقات، وانتكاس حالاتهم الصحية للأسوأ، وذلك بسبب تأخرهم عن مواعيد الخطط العلاجية ، نتيجة الحصار وصعوبة السفر.
لا تقتصر معاناة سكان مدينة تعز جراء الحصار على المرضى والحالات الإنسانية ، بل تمتد على إلى جميع الجوانب المعيشية، حيث يشكوا المواطنين داخل مدينة تعز من ارتفاع الأسعار بشكل كبير، حيث تصل أسعار السلع والمواد الغذائية داخل متاجر المدينة إلى ما يقارب الضعف مقارنة بالمحافظات الأخرى، ويرجع ذلك إلى ارتفاع تكاليف نقل البضائع إلى مدينة تعز، إضافة إلى توقف شاحنات النقل لأيام بحجة التفتيش.