- كتب: كهلان الشجاع
الجريمة والجندر
من ضمن ما تم تداوله مؤخرا، هو حدوث جرائم قتل أسرية كان الاتهام موجه فيها إلى نساء، على عكس ما هو سائد، حيث أن جرائم العنف غالبا تكون من قبل الرجال، و أصبحت هذه الجزئية مادة للسخرية والاستغراب والتساؤل.
كيف يمكن للمرأة أن تتحول في لحظة ما إلى قاتل، و تلجأ لممارسة العنف على عكس طبيعتها المألوفة.
هنا يبرز سؤال مهم وهو: هل العنف يعد حكرا على الفئات القوية فقط؟
الاستغراب من قيام بعض النساء بجرائم قتل هو نتاج للوعي السائد والمترسخ في الذهنية اليمنية، بأن المرأة كائن ضعيف وغير قادر على القيام بأي عمل عضلي، ومع أن وسائل القتل لم تعد تعتمد على القوة العضلية، فما زالت الذهنية السائدة تستخف بفكرة أن تقوم المرأة بأي عمل عنيف، بناء على الموروث والسرديات التي يتم توارثها والتي تعتبر المرأة غير جديرة بالكثير من الأعمال، ودائما في الذهنية العامة يكون رأي المرأة غير سديد ومن الأفضل استشارتها لمعرفة رأيها ثم عمل العكس، فرأي المرأة يعتبر دليل سلبي للوصول إلى الرأي الصائب في أي قضية.
وفي الكثير من الجرائم التي يقوم بها الرجال، يتم التبرير لهم بدعاوى مختلفة، فالقاتل لم يقتل إلا لوجود سبب مقنع وكافي بنظر البعض، وبالتالي فهو معذور ولا تستدعي هذه الجريمة أي استنكار، أو استغراب بينما عندما تقوم بالجريمة امرأة، فذلك مستغرب ويدعو للتبرير أيضا، ولكن التبرير يأخذ طابعا إلتفافيا بهدف المحافظة على رمزية السلطة المهيمنة، فالتبرير الذي يتم تداوله في الفضاء العام عندما تقوم امرأة بجريمة ما لا يكون بالتفكير في الدوافع، فالمرأة مهما كانت دوافعها أو مظلوميتها لا يصح أن تمارس العنف أو ترتكب جريمة قتل مثلا بحسب الوعي السائد، فيتم التبرير لهذه الجرائم بدعوى انتشار تعاطي نوع من المخدرات، أو تناول القات والتدخين من قبل النساء، وبالتالي يتم الدعوة لتشكيل اصطفاف مجتمعي ضد تعاطي النساء للقات أو تدخين الشيشة التي يتم خلطها بمواد مخدرة، بحسب ما يتم تداوله.
مشكلة الذهنية السائدة أنها تفكر في دوافع القتل ليس لأجل معرفة السبب ومعالجته، ولكن من أجل التبرير للسلطة السائدة والمهيمنة، والتي يجب أن تظل محتكرة لممارسة العنف والجريمة أيضاً.
يبرز هنا تساؤل مهم وهو ما الذي يجعل المرأة تلجأ لممارسة العنف أو ارتكاب جريمة ما؟
والإجابة على هذا التساؤل تتضمن ما يلي:
فمثلما أثرت الحرب وتداعياتها المختلفة على المجتمع اليمني ككل، وبرزت نتيجة لذلك ظواهر العنف الأسري والمجتمعي، وبرزت العديد من الظواهر المجتمعية الأخرى، فإن النساء تمثل الشريحة الأكثر تضررا من هذه التداعيات، على المستوى النفسي والمعيشي والاجتماعي.
وفي ظل الوضع الاجتماعي الذي تعيشه المرأة اليمنية، وفقا للثقافة المجتمعية السائدة، فهي معرضة لمختلف أنواع الضغوط النفسية والحياتية وأنواع الظلم والمعاناة، في ظل التداعيات المتصلة بالصراع كالنزوح و تردي الوضع المعيشي، والبطالة وغياب الحماية الأخلاقية والقانونية على السواء، تبعا لغياب دور المؤسسات الاجتماعية و مؤسسات الدولة، وفي ظل الثقافة التي تحتكر الوصاية على المرأة، حيث يتم اتخاذ القرارات المتعلقة بالمرأة نفسها مثل ” الزواج، الطلاق، الخلع، عدد الأولاد، العمل”، من قبل السلطة المهيمنة في مستواها الأدنى، ولا يتم إشراكها في هذه القرارات أو استشارتها أو الاهتمام بقبولها أو رفضها لما يتم إقراره، وبالتالي فمصادرة حق المرأة في الرفض أو القبول، وفي إتخاذ القرار نفسه خصوصا أنه متعلق بها ونتائجه السلبية أو الإيجابية لن يتحملها أو يستفيد منها سوى المرأة نفسها، يعد جريمة بحد ذاته وبالتالي فإن الجرائم واعمال العنف التي تصدر عن المرأة، إنما هي ردود فعل لجريمة سابقة وهي مصادرة حق من حقوقها يتمثل في اتخاذ القرار نيابة عنها ومصادرة حقها في قبول أو رفض هذه القرارات التي تخصها وتمس حياتها بشكل مباشر.
إن هذه المصادرة لحق المرأة، كانت وما زالت قبل فترة الحرب وبعدها، فما الذي جعل المرأة تتصرف بشكل مغاير للعادة المألوفة منها، فأكبر رد فعل كان يتوقع أن تقوم به المرأة وفي أسوأ ظروف القهر والمعاناة هو أن تنتحر أو تحاول الإنتحار، لتخلص نفسها من جحيم الحياة التي تمت الوصاية عليها في اختيار ما يناسبها ويتوافق معها.
يتبع….