- ضياف البراق
حين نصبح عاديين، تصبح حياتنا عاديّة أيضًا، تمامًا مثلنا؛ لأنّ
حياتنا هي نحن. لكن، ماذا يحدث عندما تصبح حياتنا عاديّة؟ ببساطة، يحدث أن نفقد
هذه “الحياة”، نفقدها يومًا بعد يوم، وعلى الدوام، أجل، يحدث أن ينهش
الموت وجودنا بدمٍ باردٍ، وبطريقة تافهة مثيرة للسخرية والقرف. هكذا، نموت دون أن
نعلم بأننا نموت، وهذا، في رأيي، أسوأ أشكال الموت. وكما تعلمون، فالإنسان هو أعظم
المخلوقات، وأجملها، وإذًا، لا يليق به أن يموت بطريقة تافهة، كأن يقتل نفسه بنفسه
مُعتقِدًا بذلك أنّه يطلب الحياة، لا الموت.
حينما نصبح عاديين، تنقلب حياتنا ضدنا، انقلابًا مُرعِبًا، أي على نحو
مُضِر جدًّا، فتصبحُ حياتنا مجرد جحيم يومي لا ينجو منه إلّا الشخص الخارق، الذكي:
أي غير العاديّ.
انظروا كيف أصبحت حياتنا مهترئة، متفسخة، ومُضجِرة أكثر من اللازم. لماذا؟ لأننا لم نعد نبدع، لم نعد نثور على شيء. ها نحن نموت.. نموت ولا نبالي!
لغويًا: العادي هو المألوف، المُعتَّق، غير المُهِم… وهكذا.
الحياة العاديّة هي حياة باردة، خاضعة، كسيحة، رجعيّة، مُمِلّة لدرجة تبعث على الانحطاط، والانحطاط، بلا شك، يساوي الموت. الحياة العادية هي تلك التي تخلو من الحرية النابعة من أعماق الإنسان، والتي تخلو أيضًا من الإيقاع الجمالي المُدهِش والمنعِش في آن.
أن نصبح عاديين، معناه أن نكون غيرنا، لا أنفسنا، أن نكون بلا شخصية عصرية، بلا قضية نبيلة، وبلا زمن فلسفي حقيقي، وبلا كلمة حُرَّة ومستقلة، وباختصار، هو أن نكون عبارة عن نُسَخٍ مكررة أو آلات.
الشخص العادي، هو الشخص الجامد، القديم، الدائخ، غير المبدع. إنه ذلك
الذي يعيش في عصر غير عصره، كأن يلتزم الماضي فقط. الشخص العادي يعيش بعواطفه، لا
بعقله، وهكذا يحيا على نحو عبثي. وبدون المعرفة، أو القراءة المستمرة، يظل الشخص
عاديًّا، رخوًا، لا معنى لحياته، على الإطلاق. المعرفة هي الطريق إلى الارتقاء
الشخصي والاجتماعي معًا.
الشخص العادي هو ذلك الذي يمضي بلا رؤية، وبلا هدف، ويعيش في إطار
همومه الشخصية فقط، وتلك هي مشكلته الخَطِرة. الأشخاص العاديون، سطحيون، مبتذلون، أفكارهم
ميّتة، وأحلامهم صغيرة غالبًا.
أمّا الشخص غير العادي، هو ذلك المبدع، الحيّ، صاحب الضمير الكوني الصادق، والنظرة العقلية الكونيّة. وهو ذلك الذي يؤمن بعظمة العقل وقدرته الفائقة على تغيير العالم وتحقيق الرخاء والسعادة للناس، وهو، أيضًا، ذلك الذي يعرف لماذا يعيش، وكيف يعيش، وما الغاية من وجوده. الشخص غير العادي، هو المثقف الحُرّ، العصري، المُحِب، الذي يكافح ويبدع من أجل قضية إنسانية سامية، لا من أجل قضية عبثيّة أو غاية وهميّة.
والآن نعود إلى سؤالنا المُهِم: كيف نكون غير عاديين؟. ثمة وسيلة وحيدة لكي نكون غير عاديين.. هي: الثقافة. نعم، يجب أن نقرأ لكي نصبح غير عاديين (أو: غير مألوفين). والأهم من ذلك هو أن نقرأ في جميع العلوم، وأن نفهم ونناقش ما نقرأ؛ لأنّ العِلم يجعلنا أقوياء حقًّا. بتعبير آخر، يجب أن نتحرر من كل القيود التي تجعلنا بشرًا عاديين، مُكَرَّرين ومُكَرِّرين، فارغين إلّا من الجمود والأنانية. حياة بلا إبداع، مجرد مقبرة مفتوحة الأطراف. يجب أن تكون حياتنا فلسفية، فنيّة، إنسانية، حياة ناضجة ومنفتِحة على العالم كله. وأخيرًا، يجب أن نكون مبدعين، مبدعين، مبدعين. لكن، وهذه حقيقة، لا يكون الشخص مبدعًا إذا لم يكن حُرًّا. احذروا أن تكونوا مألوفين، أي: كونوا فعّالين، خلّاقين، مؤثِّرين، لا متأثرين، ومتفردين، لا مقلِّدين.