- كتب: كهلان الشجاع
مؤخرا تداولت مواقع أخبارية خبر قتل امرأة لزوجها وقبلها خبر قتل شاب لوالديه وأخيه، وقبلها الكثير من جرائم العنف داخل الأسرة اليمنية، تنوعت بين اعتداءات على الزوجة، أو اعتداءات على الأطفال، أو قتل أفراد الأسرة، بالإضافة إلى حوادث الانتحار في مناطق مختلفة ولأسباب متنوعة، كما تم تداولها في وسائل السوشال ميديا.
البعض يعتبر هذه الحوادث بسبب الاوضاع الاقتصادية التي تمر بها البلد، والبعض يحيلها إلى قلة الوازع الديني، والبعض يلقي باللائمة على الحرب وآثارها المختلفة على جميع المستويات المعيشية والاجتماعية والاسرية والشخصية.
وسأحاول في هذه المقالة قراءة هذه الحوادث وتفسير أسبابها بناء على :
ـ ثقافة المجتمع اليمني والتقاليد والأعراف السائدة
ـ سوء الأوضاع المعيشية والبطالة الناتجة عن الحرب
ـ النسيج الاجتماعي وما تعرض له خلال سنوات الحرب منذ ٢٠١٤ وحتى الآن
ـ غياب القانون ودور المؤسسات الرسمية
في البداية وعند سماع أو قراءة أخبار حوادث العنف الأسري يتبادر هذا التساؤل إلى الذهن:
ما الذي جعل الناس يتصرفون بهذا الشكل وبهذا العنف على نحو لم نكن نعهده من قبل ولم نسمع به؟
تكمن أهمية هذا التساؤل في أنه يقودنا إلى تساؤل آخر وهو : هل كانت هذه الحوادث تحدث من قبل سنوات الحرب في المجتمع اليمني؟
وفي بلد يفتقر للاحصائيات الدقيقة، لا يمكن الجزم بوجود مثل هذه الحوادث أو عدمه، ولكن المعروف هو أن أي مجتمع لا يخلو من الجريمة والعنف وإن بنسب متفاوتة، وهذا يعني أن حوادث العنف الأسري كانت موجودة و نظرا لضعف وسائل الاتصال مقارنة بالوقت الراهن، فإن تداول أخبار هذه الحوادث كان محدودا.
هل يعني هذا أن حوادث العنف الأسري التي تصاعدت مؤخرا عبارة عن حوادث طبيعية وليس هناك أي مؤثر خارجي تسبب في تزايدها؟
بالتأكيد الإجابة ستكون لا
أولا: لأن ما يتم تداوله من حوادث ما هي إلا عينات لما يحدث داخل المجتمع والأسرة، فليست كل الحوادث يتم تداول أخبارها ونشرها في وسائل الإعلام خصوصا في بلد مثل اليمن
ثانيا: أن العنف جزء من ثقافة المجتمع اليمني، حيث يتم ممارسته بأشكال وصور مختلفة و في مختلف مناحي الحياة، من القاعدة إلى الهرم، على المستوى السياسي والاجتماعي والشخصي، و نظرا لغياب دور القانون ومؤسسات الضبط المخولة بتطبيق القانون وإنفاذه على الجميع، فلذلك يتجه الكثير من الناس إلى أخذ حقه أو الانتصار لذاته وكرامته عن طريق القوة والعنف، وتعزز هذا الجانب ثقافة المؤسسة الاجتماعية وتقاليدها التي تقدس الإنتماء للعائلة والقبيلة والمنطقة وغيرها، فالخلاف بين شخصين يصبح خلافا بين عائلتين أو قبيلتين أو منطقتين، وهكذا تتوسع دوائر العنف من المستوى الفردي إلى مستوى جماعي يأخذ نمطا عصابيا، متدرجا من الفرد إلى الاسرة والعائلة والقبيلة أو المنطقة.
و في دائرة العنف هذه، يصبح من الطبيعي حدوث أي حوادث عنف أسرية لأن القاعدة التي يتم وفقها حسم الخلافات هي القوة والعنف، ولكن هذا ليس كافيا لتزايد العنف الأسري بهذا الشكل الذي يحدث مؤخرا.
فقد لعبت أطراف الحرب دورا كبيرا خلال السنوات الماضية في خلخلة النسيج الاجتماعي اليمني من خلال تغييب دور المؤسسات والتي كانت تشكل سياج حماية بغض النظر عما كان يعتريها من ضعف و فساد، وكذلك من خلال المشاريع الطائفية التي تقودها الجماعات الدينية والتي حاولت وتحاول تغيير السائد الاجتماعي والديني بصورة قسرية، نتج عنها تحطيم القناعات والأفكار ـ وخصوصا في الجانب الديني ـ والتي كانت تعتبر بمثابة سياج حماية أخلاقية ضد الجريمة وأعمال العنف خصوصا في المدن والمناطق التي كانت العصابية القبلية فيها ضعيفة أو غير مؤثرة، مما نتج عنه شعور الشباب بالضياع والزيف وخيبة الأمل في كل ما كان سائدا، وفي ظل التوظيف السياسي والإيديولوجي للمساجد وممارسة التحريض والدعوة إلى العنف من منابرها، ظهرت الكثير من حالات التفكك الأسري، وهروب الأطفال وتسربهم والتحاقهم بجبهات القتال.
لعب التغير الديموغرافي الذي سببه النزوح من مناطق الصراع، وانتقال الكثير من الأسر من مناطقها ومدنها إلى مناطق ومدن أخرى دورا كبيرا في خلخلة البنية الاجتماعية للمجتمع بالإضافة إلى تردي الأوضاع المعيشية والبطالة والوضع النفسي الناتج عن الحرب.
وفي ظل الزيادة السكانية المستمرة والتي تهدد بانفجار ديموغرافي في بلد يعيش صراعا داميا، وفي ظل غياب أي مشاريع تنموية منذ العام ٢٠١٤.
وفي ظل ما سبق فإن التكهن بالمآلات التي ستنتج عن هكذا وضع، صعب ومخيف في آن.
فالخيارات المتاحة أمام الشباب محدودة، فإما الالتحاق بجبهات القتال أو الذهاب نحو الاغتراب في دول الجوار لمن تتوفر لديهم القدرة على ذلك، أو البطالة والفراغ وانتظار حلحلة أوضاع البلد وتطبيعها.
وفي ظل انسداد الأفق السياسي وضبابيته، وحالة الملل التي أصابت الكثير، فإن حالات الانتحار والقتل والعنف الأسري، تعد نتاجا طبيعيا لكل ما سبق.
إن زعزعة المقدس لدى جيل نشأ في ظل الحرب و عانى من ويلاتها وآثارها المختلفة في ظل غياب الدولة والمؤسسات، و تراجع تأثير المؤسسات التعليمية والأكاديمية وتحويلهما إلى حلقات إيدولوجية تخدم الجماعات المسيطرة، يعد بمثابة تفخيخ المستقبل بجيل من المجرمين، في ظل التحريض على العنف والدعوة إليه في المدارس والمساجد والجامعات وبصورة ممنهجة ومستمرة بغرض حشد المقاتلين و تأليب الرأي العام ضد الخصوم السياسيين.
والحقيقة هي أن نتيجة هذه التغيرات الديموغرافية وغياب مؤسسات الدولة وتدهور مؤسسات التعليم الأساسي والجامعي، وسوء الأوضاع المعيشية التي تتزايد كل يوم، لن تظهر بصورتها السيئة والمفجعة في الوقت الراهن، فجبهات القتال تمتص الكثير من محبي العنف ومؤيديه، والكثير من الشباب العاطل، ولكن حين تتوقف الحرب سنجد الكثير من الشباب يعاني من بطالة العنف وسيوجه طاقاته العنيفة نحو المجتمع.