- نجلاء القصيص
يرقد في العناية المركزة والأجهزة موصولة بجسده، ومجموعة من الأطباء يحيطون به. يتدارسون حالته، وإلى ما ستصير إليه بعد سقوط قذيفة على محل عمله قبل أيام.
الممرضة تجهز بعض الحقن استعدادا لغرسها في وريده عبر الكنيولة التى بالكاد وجدت طريقها لوريده!
من خلف الزجاج تنظر إليه ودموعها تتساقط على خدها كحبات المطر المنهمرة فجأة.
تدعو الله بكلمات تهز الجبال أن يشفيه، ويعود ليزين حياتها، لم يتسلل اليأس إليها رغم خطورة حالته. تعلقت بذراع أحد الأطباء حين همّ بمغادرة الغرفة.
– دكتور، كيف حالته؟
– لا أخفيك حالته حرجة فإصابته بليغة.. عليك بالدعاء!
– رغم هذا دكتور سيتعافي.. أليس كذلك؟!
– الشظايا اخترقت مخه وسببت له ضررا، والنزيف يجعل حالته خطره.
غادرها الطبيب ليتفقد حالات أخرى، بعد أن حطم بقايا الأمل الذي تتشبث به!
عادت تتأمل وجهه الملفوف بالشاش ولسانها يتمتم بالدعاء.. أسندت رأسها إلى الكرسي المحشور في زواية الممر، وأجهشت بالبكاء وهي تلعن الحرب التي سحقت الأبرياء في طريقها!
سألت نفسها: ماذا لو حدث لزوجها مكروها؟! كيف ستكون حياتها وحالها؟!! من سيرعى صغيرتها ابنة الثالثة؟! يوم الحادثة ظلت تعبث بشارب والدها ما دفعه للضحك كثيرا واحتضانها، تعالت الضحكات فحنان الأبوة غلب عليه لحظتها، ربما كان قلبه قد أحس أنه بعد قليل سيواجه مصيره المحتوم!
في غمرة انشغالها تذكرت طفلتها التي لم ترها منذ الأمس، أخرجت هاتفها المحمول واتصلت على والدتها بغية الاطمئنان، أخبرتها أن الصغيرة لم تكف عن البكاء والسؤال، تحدثت إليها ووعدتها بالحضور مساء بصحبة والدها.
أغلقت الخط ودموعها تخرس صوتها والعبرات تخنقها.
عند الثانية ظهرا بدى الوضع غريبا؛ فالأطباء يسارعون بالدخول واحدا تلو الآخر للغرفة التي يرقد فيها زوجها! سألتهم عن السبب، لم يجيبها أحد؟! الجميع مشغول!
وقفت عاجزة تراقبهم من خلف الزجاج، لم تع ِ شيئا؟! صرخاتها المكتومة تتردد أرجوك لا تمت. سمعت صوت أحدهم يقول أحضروا له الدواء الذي كتبته من صيدلية أخرى طالما أنه غير متوفر لدينا. خطفت الورقة من يد الممرضة بمجرد خروجها وركضت نحو الصيدلية في الشارع المقابل، وبينما هي تقطع الشارع المقابل والدواء بيدها، انطلقت رصاصة قناص مسرعة من العمارة المقابلة لتخترق الجهة اليسرى من صدرها، رفعت أصابع الوحدانية، وإطارات السيارات تتلوث بإنسانية الموت في حين كان زوجها يلفظ آخر أنفاس شظايا عبودية الإنقاذ.