أعلنت وزارة الثقافة العراقية اليوم الجمعة وفاة الشاعر العراقي الكبير مظفر النّواب في مستشفى الشارقة التعليمي بالإمارات عن عمر ناهز 88 عاما.
ونعى الرئيس العراقي برهم صالح في تغريدة له الشاعر النواب قائلا: “يبقى حيّاً في ذاكرة الشعب مَن زرع مواقفه السياسية والوجدانية بشكل صادق”.
وأضاف “هو حيّ في ذهن كل مَن ترنم بقصائده الخالدات”.
كما نعى وزير الثقافة العراقي حسن ناظم النواب
واعتبر أن “رحيله يمثّل خسارة كبيرة للأدب العراقي لما كان يمثله كنموذج للشاعر الملتزم كما أن قصائده رفدت المشهد الشعري العراقي بنتاجٍ زاخر تميز بالفرادة والعذوبة”.
يعتبر النواب أحد أبرز شعراء العراق الذين بدأوا مسيرتهم الشعرية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، وبرحيله تطوى صفحات مرحلة تاريخية من الشعر العراقي تميزت بالتجريد والخروج على القوالب المألوفة وروح التمرد.
كان صاحب موهبة شعرية برزت في مرحلة مبكرة من حياته، وتميز بأسلوب فريد في إلقاء الشعر، خاصة عندما كان في مواجهة الجمهور.
وأنحاز النواب سياسياً لقضايا الفقراء والبسطاء والعدل ومناهضة الاستغلال والاستعمار وأنظمة الحكم السائدة، ولهذا فقد تعرض للسجن مرارا والملاحقة لفترة طويلة داخل وطنه، وهو ما أضطره للعيش منفيا لفترة ناهزت نصف قرن تقريباً.
وُلد مظفر النواب في العاصمة العراقية بغداد عام 1934 ، في أسرة كانت تحكم إحدى الولايات الهندية الشمالية قبل احتلال بريطانيا للهند، قاومت العائلة الاحتلال البريطاني، فاستاء الحاكم الإنجليزي من موقف العائلة المعارض والمعادي للاحتلال، فعرض الحاكم على العائلة النفي السياسي، فاختارت العراق.
كانت أسرة النواب ثرية أرستقراطية تتذوق الفنون والموسيقى وكان قصر العائلة المطل على نهر دجلة مقصد الشعراء والفنانين والساسة.
أثناء دراسة مظفر في الصف الثالث الابتدائي أكتشف أستاذه موهبته الفطرية في نظم الشعر، وفي المرحلة الإعدادية أصبح ينشر قصائده في المجلات الحائطية التي تحرر في المدرسة من قبل الطلاب.
تابع النواب دراسته في كلية الآداب ببغداد في ظروف اقتصادية صعبة، بعد أن تعرض والده الثري إلى هزة مالية عنيفة أفقدته ثروته.
بعد الإطاحة بالنظام الملكي عام 1958 تم تعيينه مفتشاً فنياً بوزارة التربية في بغداد، فأتاحت له تلك الوظيفة فرصة تشجيع ودعم الموهوبين من موسيقيين وفنانين تشكيليين.
في أعقاب الإنقلاب على حكم عبد الكريم قاسم عام 1963، تعرض الشيوعيون واليساريون لحملات اعتقال واسعة، ما اضطر مظفر إلى مغادرة العراق، هاربا إلى إيران في طريقه إلى الاتحاد السوفييتي حينها، لكن المخابرات الإيرانية ألقت القبض عليه فتعرض للتعذيب ومن ثم تم تسليمه إلى السلطات العراقية، لتحكم عليه محكمة عسكرية عراقية بالإعدام إلا انه تم تخفيف الحكم إلى السجن المؤبد.
وضع مع غيره من اليساريين في السجن الصحراوي المعروف باسم “نقرة السلمان” القريب من الحدود السعودية العراقية، وبقي فيه عدة سنوات لينقل بعدها إلى سجن الحلة الواقع جنوب بغداد.
قام مظفر النواب ومجموعة من السجناء السياسيين بحفر نفق من الزنزانة يؤدي إلى خارج أسوار السجن، فأحدث هروبه مع رفاقه ضجة مدوية في أرجاء العراق والدول العربية المجاورة.
توارى عن الأنظار في بغداد بعد هروبه من السجن، وظل مختفياً فيها ستة أشهر، ثم توجه إلى منطقة “الأهوار” في جنوب العراق وعاش مع الفلاحين والبسطاء حوالي سنة، وفي عام 1969 صدر عفو عن المعارضين فرجع إلى سلك التعليم مرة ثانية.
شهد العراق موجة اعتقالات جديدة وكان من بين من تعرض للاعتقال مظفر النواب إلا أنه تم أطلاق سراحه بعد فترة قصيرة، ليغادر بعدها إلى بيروت، ومنها إلى دمشق، وظل يتنقل بين العواصم العربية والأوروبية، حتى استقر به المقام في دمشق.
عاد النواب إلى العراق لأول مرة عام 2011 لكنه ظل ينتقل بين بغداد ودمشق وبيروت.