- ضياف البراق
يزداد تقديري للسيدة توكل كرمان كلما سارت في الخط التنويري المتماسِك، والتحمتْ أكثر فأكثر بفلسفة الحرية. وكذلك يكبر هذا التقدير حين أراها قريبةً من جراح ومعاناة ومشكلات شعبنا الجريح، المنهوك، مدافِعةً عنه بالكلمة والصوت وصدق الضمير ونزاهة الهدف. وعندما ترمي هي كلمة الحق في وجوه أهل الباطل، فتلاقي منهم التنمُّر والشتم والسخرية الانتقادات العبثية البذيئة، فإنه من واجبي الأخلاقي أن أدافع عنها دون تباطؤ، وبمقدار انحيازها للحق والحقيقة.
لست مع “توكل” ولا ضدها، إنما أحترمها بشكل كبير، وأقدّر عطاءها المستمر نحو الإنسانية في مجال السلام. ولأني يساري، فإن موقفي من المرأة، أي امرأة، هو موقف الحب والاحترام والتمجيد. ومن هنا، أيضًا، يأتي تقديري العميق لشخصية توكل كرمان، شخصيتها المرموقة، المزدهِرة على نحو متواصِل، رغم أنف الكارهين لها. فهذه المرأة الفريدة استطاعت، في فترات مليئة بالعوائق، أن تصنع شخصيتها المستقلة بصورة جديرة بالاحترام. واليوم صار صوتها مسموعًا في أنحاء كثيرة من العالم. وهذا نجاح لكل النساء الطامحات إلى التحرر، والخروج من الأقفاصِ الخانقة.
إني أراها تركض إلى الأفضل، نضاليًا وإنسانيًا، وترتقي سُلَّمَ المجد بجهود كبيرة، وبشكل مذهل للغاية. فبمقدار حرصها على مصالح شعبها، وإخلاصها للقيم الحضارية النبيلة، وسعيها إلى الأهداف السامية، تكبُرُ قيمتُها فينا، وتلمَعُ شخصيتُها في عيوننا، فتنال احترامنا الصادق، وربما تحظى حتى بتقدير معارضيها، أو خصومها إن صح هذا التعبير.
لم تعُد هذه السيدة مناضلة حقوقية وسياسية فحسب، بل هي الآن صرخة تنويرية أيضًا في وجه تجّار الدين، والمتطرفين منهم، وصانعي فتاوى الإرهاب. وصرختها الحرة هذه، إنما هي صادرة عن أعماق مستنيرة، أو نابعة من روح إنسانية عالمية ساعية إلى الخير. إنها صرخة مفيدة، تخرُج من قلبها الطيب، وعقلها الناضج، ودافعها الإصلاح والبناء، لا التخريب والهدم. وما أشجعَها إذ هي تواجه شراسة حُرّاس الزّيف والجهل، وأعداء النجاح والتقدُّم.
إنها في حقيقة الأمر، تفضح زيف الظلاميين المعتاشين بالدين والخرافات. لا يمكن أن نتكلم عن بناء دولة مدينة من دون نضال تنويري كبير يمهد الطريق لقيام هذه الدولة. هي تعلم تمامًا أهمية هذه النقطة. أجل، لا تقوم الدولة المدنية إلّا على تلك المبادئ والفلسفات التي ينهض بها التنوير الحقيقي، ويغرسها في وعي وضمير المجتمع. لا تُبنى الدولة المدنية في الظلام بل في النور، وبالمحبة والتسامح، لا الكراهية والتعصب، أجل، لا تُبنى على الخرافة والباطل، بل على الحقيقة والحق، وعلى العلم والفلسفة قبل كل شيء. والعزيزة “توكل” لا تبتعد عن هذه الحقيقة، بل إنها تمضي على هذا الدرب النضالي الجميل.
والشيء الرائع فيها، هو أنها غير إنانية ولا جبانة ولا يمكن أن تكون ذات أهداف صغيرة ورُؤى رجعية ضيّقة. وها هي سائرة، كما نراها بوضوح، في الخطوط الصحيحة، وتعبّر عن آرائها المسؤولة المضادة للتطرّف والإرهاب، بصدق وشجاعة واتزان، مندفِعةً بكل حماس ولياقة لنشر ثقافة منفتحة تليق بكرامة الإنسان، أي إنسان كان.
نعم أتفق معها في في نضالها التنويري، وأؤيِّدُ مواقفها الكريمة والجميلة، وليست لدي مشكلة مَرَضيّة تجاهها، ولا كنتُ يومًا كارهًا لها، أو متعصبًّا عليها، فالكراهية عمياء، وأنا أكره هذا النوع من العمى البغيض، والتعصب سلاح خطير، وأنا أكره العنف. كما لا أنسى تشجيعها للثقافة والفن، ومواقفها المسانِدة للمثقفين والفنّانين، وتكريم المستحقين منهم.
توكل، لن تكونَ إلّا مشروعَ أملٍ وضوءٍ وازدهار، ورسالةَ إصلاحٍ ومحبة. وإني لواثقٌ من أنها قادرة على بلوغ هذه الغاية. أمّا أولئك الذين لن يعجبهم هذا الكلام، فأقول لهم: افتحوا صدوركم، وكبِّروا عقولكم، وانظروا إلى الأمام، واعبروا إلى الضفة الأخرى، حيث الضوء الساطع والهواء النقي، ودعونا نتفاءل، ونحسن الظن، ونترك الأحكام الجاهزة، والتصوُّرات البائسة، فلا تبخسوا الناس أشياءهم، كما يقول القرآن الكريم.
وأخيرًا، هذا هو تقديري الشخصي لامرأة تستحقه، امرأة تُمثِّل لنا قيمةً حضاريةً عاليةَ القيمةِ. كما أنني أرجو لها المزيد من النجاحات اللائقة.