- كتب: فارس العلي
اغنية غائرة في سر كوامنك وأعماقك، تستدعي أصالة الإنسان قبل أن يصبح قاتلا ، وقبل أن يصبح تاجرا، قبل حتى أن تترتب ذهنية الاستغلال والفساد في اللغة،
أغنية بطعم أول وجبة يعدها الإنسان بعد إدراكه معنى الجوع، يهتدي إثرها لبعض الحلص والمولوخيا وأشجار أخرى ربما قتلته لمئات السنين قبل أن يهزم ضررها بإكتشافه لها.
الأغنية الأفريقية، مدينة من الألوان والإرتباكات التي أدركها أمثال بيكاسو، سلفادور دالي.. في لوحاتهم بتلك التعبيرية والسريالية والتكعيبية، منذ إدراك الإنسان زحزحة الحياة، وفق تدخلاته، أصبح الإيقاع ينزع من جهات ﻻ نعرفها، فأنتج لنا توليفات طنطنة خالية، من إنساننا الأول الوحيد، والمولع بتتبع تأملاته جوار الكائن اﻵخر، حيث تكونت مفاهيم الطبيعة وتوزيعها لحظوظ البقاء، ومعادلات الإستمرار ضمن مصفوفة الافتراس، والرقص، والمضاجعة، والفقد والعدم والإنبهار،
نعم.. الإنبهار في قلب البدائية، ليس كإطلالة من أعلى برج خليفة في دبي، على الإسفلت وتسبيح صحراء الديجتال، اقصد إطلالة من خضرة شجرة حقيقية ضاجعت نزوة آدم الأب، وقبله انسان النياندرتال،
الافريقية أغنية سمراء غائرة في أتون عناصر الطبيعة، بحكم قربهم من تأصيل ثابت للعلاقات الاجتماعية، واحتفاظهم بإرث متسلسل في حلقات إفراغ الذات، دون الخشية من تلقي مخالفة قرع طبل بقساوة مستكشف يسدد قسيمتها من فيزا كارت، أحب التكنولوجيا ﻷنها تمنحني أنسنة من نوع ما، بغية احترام خدمة تمنيتها بعجل، لكن بلا شك؛ كلما نزعنا تجاه التطور، أبتعدنا عن ميثولج أصولنا ، كون التطور قفز على واقع لإيجاد بدائل، كانت الضريبة ذاتها التي أتت بالقنبلة الذرية، والحروب العالمية، حين مارس التطور ﻻ انسانية عنيفة، وتجريف مخيف للجثث، كأنها أمطرت من السماء..
كل خرافة أعتبرها العلم، تم اثبات تناصها وتناغمها الوجودي والجمالي والروحي، مع ذات الطبيعة والانسان البكر، في ميثولوجيا ﻻزالت تمد العالم بالأسرار والدهشة للان..
الانسان الحديث، ما زال يصر أن مايقدمه من عزف بأشكال مونولوجاته وطقاطيقه وهرمونية القوالب، إيحاء يحاكي قشعريرتنا التلقائية، مع أنها لم تدوخنا بأصالة ردة فعل طبيعية، قطرة الدم التي سقطت من نيب حيوان مفترس، كانت ايقاع لروح الطبيعة وإرادتها في تشكيل الأغنية المناسبة..
كم يقهرني إنطفاء الكهرباء مثلا عندما كنت أستمع للموسيقى، هل شعرتم اﻵن بهذا الأيقاع المصطنع، بينما شورت الطبيعة كان لتنزلق منه بروق ورعود، وزمجرة إفتراسات و”قهقهة حجر” أنزلقت من أعلى قمة الجبل،
الموسيقى تنجز ذاتها وفق تحول الطبيعة في الصيرورة الزمنية المحتومة لمجل الحركة، وتبقى محاولتنا لحرف هذا الإيقاع، ماهي إلا ولوج في سلخ هوية اللحن، حتى أننا لم نعد نعرف: من هو إله الموسيقى…؟
ومتى آخر مرة أرسل فيها نبيه، بآخر إيقاع لنؤدي رقصة الذئاب معا، ولو بنذالة خالية من افتراس حقيقي، فكان أن خرجت بنات اواى من موسيقى التطور على أدق انجاز؟
لكن بقت أفريقيا نوتة العالم وحسب.