- حوار/ لؤي سلطان
شهدت الساحة السياسية اليمنية العديد من الأزمات ومرت بمراحل بالغة الصعوبة حافلة بالصراعات السياسية والاجتماعية، وشكلت مرحلة إعلان الوحدة اليمنية 1990، البداية الفعلية للمرحلة الانتقالية التي مثلت التحول من الشمولية إلى التعددية، إذ نتجت الديمقراطية والتعددية الحزبية وظهرت الأحزاب السياسية كفاعلين في العملية السياسية.
عن القضية اليمنية وجوهر الصراع، كان لنا هذا الحوار مع الباحث وأستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة صنعاء، الدكتور فؤاد الصلاحي الذي ألف مجموعة من الكتب والدراسات البحثية المهتمة باليمن، أهمها: الدولة والمجتمع المدني في اليمن، وثلاثية الدولة والقبيلة والمجتمع المدني، وسيسيولوجيا الظاهرة الحزبية في اليمن وغيرها. وهو باحث وناقد، يمتلك رؤية مكثفة عن الفكر والتاريخ والثقافة اليمنية، ما يجعل توصيفاته ودراساته شاملة للخطاب السياسي والثقافي والاجتماعي اليمني.
يقول الدكتور الصلاحي: لا مجال للعودة نحو الشمولية الدينية والسياسية بل نظام مدني ديمقراطي تتعزز معه المشاركة السياسية للشباب والمرأة وكل مواطن في المجتمع. العربي عامة واليمن خصوصا في أمس الحاجة إلى الديمقراطية للخروج من دوامة الصراعات العسكرية إلى العمل السياسي وفق مشروعية القانون والدستور.
نص الحوار:
- لديك العديد من الكتب والدراسات البحثية المهتمة بالشأن اليمني، صف لنا تجربتك كباحث اجتماعي انتهج هذا المنهج؟
كتبي ودراساتي المتعددة والمتنوعة نتاج خبرة وعمل لسنوات عدة، فيها المثابرة والاجتهاد والقراءة المستمرة للاطلاع على الجديد في مجال علم الاجتماع والعلوم الأخرى التي ترتبط بهذا التخصص الذي أعمل به. وللعلم علم الاجتماع يعتبر عابر للتخصصات ولا يمكن التمكن منه دون معرفة جيدة بعلوم أخرى، مثل السياسة والاقتصاد والأنثروبولوجيا والفلسفة. تجربتي لا تزال مستمرة لم تنتهى أو تتوقف ولكنها مثمرة في دراسات وابحاث وتدريس ومشاركات علمية متنوعة، واراها جيدة إلى حد معقول، وفق ظروف بلادنا التي نعيشها وهي ظروف لا تتصف بالاستقرار السياسي ولا الأمني، وفيها كثير من مظاهر القلق والفوضى التي تعكس ظلها وتأثيرها في وعي الأكاديمي والمثقف المرتبط بمجتمعه والمعبر عن قضاياه وفق التزام ووعي حداثي بأن يوجه العلم والمعرفة العلمية لتحليل واقع المجتمع ودراسة ظواهره ومشكلاته وتقديم الخبرة والدراسات المفيدة معرفيا والتي يمكن الاستفادة منها في مجال السياسات العامة في المجتمع. ومن بدايات كتاباتي كان اختياري للموضوعات محل الدراسة ضمن مسار مترابط اظهر تراكم الدراسات مشروعا فكريا يتناول الحداثة السياسية ارتباطا بمسألة الدولة والمجتمع المدني والقبيلة والمرأة والثقافة والحوكمة، ومزيدا من الدراسات حول مختلف مجالات المجتمع المدني وفعالياته العملية ضمن أنشطة كثيرة للمنظمات الاهلية واشتراكي في كتابة خطط حكومية مثل الخطط الخمسية واستراتيجيات متعددة أيضا. وخبراتي العملانية من حيث التدريس في اكثر من جامعة واكثر من مقرر دراسي ناهيك عن المشاركات في مؤتمرات عدة محلية وخارجية.
- كونك باحث في مجال العلوم الاجتماعية، كيف تقرأ التحولات السياسية نحو الديمقراطية الذي ترافق مع إعلان الوحدة اليمنية؟
التحول نحو الديمقراطية في اليمن كان ولايزال مطلبا لمختلف القوى المدنية تم التعبير عنه في سنوات سابقة من الوحدة –أيام التشطير- وحسنا جاءت هذه التحولات مرتبطة بإعلان الوحدة التي شكلت أيضا هدفا رئيسيا للحركة الوطنية ولاتزال هدفا للغالبية من افراد الشعب حتى مع الظروف الراهنة، ففي الوحدة والديمقراطية يتشكل مشهد سياسي متغير يعزز من حضور الدولة الحديثة ومن فاعلية الأفراد والثقافة المدنية وبروز فاعلية الأحزاب ومختلف مكونات المجتمع المدني – الوحدة والديمقراطية، يجب أن يكونا عنوانا لمشروع وطني شامل وكنت انظر اليهما هكذا دوما، ولا ازال حتى داخل المشهد السياسي الراهن المغرق بظلامه وازماته، لأن الديمقراطية الية للخروج من دوامة العنف بين مكونات المجتمع واطراف اللعبة السياسية والوحدة تشكل انعتاقا من دوامة الصراعات الحدودية وما سيثور من صراعات أخرى حال غيابها.
كان إعلان الوحدة فرحة ودهشة لدى غالبية الشعب وان كانت النخب الحاكمة وأعوانها لم تظهر وعيا حقيقيا لا بالوحدة ولا بالديمقراطية، لأن تلك الفرحة غابت بعد سنوات ثلاث من خلال حرب صيف ،94 ثم ما تلى ذلك من ممارسات عكست استملاك طرف واحد للسلطة مع جماعات متحالف معها. الديمقراطية في عالم اليوم ركن أساسي للدولة الحديثة ولا مجال لأن يتم تأجيل الديمقراطية أو تغييب ممارساتها وثقافتها. والعرب عامة – اليمن خصوصا – في مسيس الحاجة الى الديمقراطية للخروج من دوامة الصراعات العسكرية إلى العمل السياسي وفق مشروعية القانون والدستور. ولكن هل النخب السياسية والحزبية مستوعبة ومدركة لأهمية الديمقراطية والحوار السياسي.
- في كتابك، «سيسيولوجيا الظاهرة الحزبية في اليمن» الذي ركزت فيه على مسار الأحزاب السياسية، تقول إن الممارسة الديمقراطية التي أفرزتها دولة الوحدة كانت مقيدة وجزئية، وأرجعت ذلك إلى أن النخب لم تستطع أن تصنع قطيعة بنيوية ومعرفية مع الموروث التقليدي ومنظومته الثقافية وفشلت في استيعاب الفئات الاجتماعية الصاعدة التي هي التجسيد الحقيقي لقوى المجتمع المدني. – ماذا تعني بالضبط بالموروث التقليدي ومنظومته الثقافية؟ وما الأسباب والعوائق التي أفشلت تلك النخب برأيك؟
في هذا الكتاب الصغير بعدد أوراقه الكبير بمضمونه ودلالاته تناولت تشكل الظاهرة الحزبية من بداياتها في مرحلة العمل السري، ثم مع دولة الوحدة، وقلت انه مع الانفتاح السياسي المقيد أي مع قبول لتعدد الأحزاب ونشاطها وظهور فاعلية مؤسسات مدنية ومعها صحافة متنوعة ومتعددة الاتجاهات والتمويل، لم تكن النخبة الحاكمة تتقبل حقيقة ذلك الانفتاح إلا وفق رؤيتها ومسارها، ومن هنا ظهرت كثير من حالات الاعتقال والاختطاف والتضييق على مختلف النشطاء في الفضاء العام، كانت الأحزاب ذاتها فقدت فاعليتها بعد حرب94، وتحولت إلى ممارسة طقوسية لا تتفاعل وقضايا المجتمع المثيرة للقلق والمعاناة للكثير من المواطنين، ولم تكن الأحزاب قادرة على تحريك الشارع لأنها تحولت إلى صالونات ثقافية محدودة التأثير والحضور معا مقابل التنظيمات القبلية وحلفائها. لم تستطع الأحزاب نشر ثقافة سياسية حديثة تتجاوز الموروث التقليدي -ثقافة القبيلة المرتبط بالعصبيات والثأر وحمل السلاح -وتمحور وعي أبناء القبيلة حول بيئتهم المحلية دونما وعي حول الوطن بشكل عام. وقد غذى النظام بعد 97 هذه النزعة القبلية، وأحيانا المذهبية التي كانت تظهر إلى العلن بين الحين والآخر. وكان هناك أحزاب وجماعات يشوهون الديمقراطية كفكرة وممارسة بالحديث أنها فكرة غربية وأنها لا تتناسب مع ثقافة المجتمع وعاداته. (ادعو الشباب لقراءة هذا الكتاب لتعميم الفائدة).
- في كتابك سابق الذكر، أرجعت انحسار الديمقراطية بعد الوحدة إلى أن الدولة لم تكن قد بُنيت في إطار مؤسسي وقانوني، ومرة أخرى أرجعت السبب إلى ضعف نشاط الأحزاب السياسية وتسلط الحزب الحاكم إلى جانب هيمنة القوى التقليدية. – كيف أثرت تلك الأسباب على مسار الحياة السياسية ومستقبل الأحزاب؟! ومن تراه يتحمل المسؤولية أكثر، نظام الدولة أم بنية الأحزاب؟
الديمقراطية لا تتحقق بمجرد الإعلان عن التحول إليها أو وفق وصفة سحرية – بل هي عملية بناء وتعلم وتدريب للعامة وللنخب الحزبية والسياسية في آن واحد، ولها اطر قانونية ناظمة كما لها ثقافة يجب تعلمها واكتسابها. الاحزاب بعد الوحدة لم تكن جاهزة للديمقراطية وان كان التحول إلى الوحدة مكنها من التعبير العلني عنها وفق اقتران الوحدة بالديمقراطية.. هنا انتقلت الأحزاب من السرية إلى العلن وظهرت في أنشطة متعددة ومتنوعة كما تم التأسيس لأحزاب جديدة وتأسست عشرات الصحف الحزبية والخاصة.. لكن المشهد العام لم يتحرك بإيجابية وبتفاؤل، فقد انكسر ذلك الأمر مع حرب 94 وبعدها دخلت العملية السياسية في شد وجذب وصراعات متعددة أغلب مجالاتها أمور محدودة الأهمية، تتعلق بقيادات الأحزاب ومصالحها أو مصالح احزابها دونما التعبير عن المصالح الوطنية والشعبية.. بل تراكمت الازمات الاقتصادية والسياسية واثرت سلبا على غالبية المواطنين. حاول صالح التحكم بحركة الأحزاب في الفترة الأولى بعد حرب94 وحتى 97، ثم ظهر نشاط جيد للمعارضة في اللقاء المشترك سرعان ما تضائل في حضوره وفاعليته.. الاحزاب نفسها كانت تحتاج إلى تجديد في بنيتها التنظيمية وقوانينها ولوائحها لتتناسب مع المرحلة الجديدة، خاصة وان أغلب القيادات الحزبية أعمارها من الستين سنة والخامسة والخمسين. ناهيك عن عدم استيعابها لمتغير الديمقراطية داخل الأحزاب ذاتها ولذلك غالبية شباب الأحزاب خارج دوائر صنع القرار الحزبي أو التأثير فيه وهو مشهد قائم حتى اليوم. الأحزاب تعاني أزمة شاملة وهي جزء من أزمة البلد بشكل عام لكن هذا الأمر لا ينسينا دور الأحزاب ذاتها والحكومات في ما وصلت إليه بلادنا من أزمات أصبحت معروفة للعامة والخاصة.
- اتسم مسار أحزاب اليسار قبل الوحدة بالعمل السري وبعدها مارست نشاطها بشكل علني – كيف تقرأ هذا التقلب في عمل تلك الأحزاب؟
أحزاب اليسار تشكل الرافعة الأساسية للحركة الوطنية اليمنية، ظهرت بشكل جماعات ثم نظمت نفسها في أحزاب في مدينة عدن بداية ستينات القرن الماضي. كان لها حضور كبير ولها صحف تعبر عنها واندمجت في فصائل أخرى مكونة للجبهة القومية وبعد استقلال الجنوب تم دمج آخر لثلاث مكونات أساسية ظهر معه التنظيم السياسي الموحدة –الجبهة القومية-التي حكمت الجنوب حتى عام 78، حيث تأسيس الحزب الاشتراكي اليمني الذي حكم الجنوب حتى العام 90م.. وفي نفس الوقت كان هناك خمس فصائل لليسار في الشمال تعمل بشكل سري لعدم السماح بالأحزاب حيث كانت محظورة بنص الدستور، لكن نشاطها كان فاعلا وكانت تجري حوارات غير علنية مع نخب سياسية بل وراس الدولة ذاتها، مثل الارياني والحمدي والغشمي وصالح .. واليسار في الشمال تم توحده في تنظيم اطلق عليه حزب الوحدة الشعبية (حوشي) وكانت تجربة طريفة حيث كان الحزب الاشتراكي يعمل جزءا منه علني كحزب حاكم في الجنوب وجزء منه معارض وسري في الشمال، واظنها تجربة جيدة خلال تلك الفترة.. لأن اليسار الاشتراكي بعد 94 تضاءل دوره واصبح روتينيا وفقد القدرة على الفاعلية في أوساط المجتمع نظرا لعجز قياداته الكبيرة سنا في فهم متغيرات المشهد السياسي ومصالح هؤلاء لم تعد كما كانت قبل ثلاثين سنة في فاعليتها الوطنية والشعبية. وللعلم الحركة الوطنية برمتها غابت كما أرى بعد عام 94، حيث تدنى العمل الحزبي وترهل سواء لليسار الاشتراكي أو القومي . الأمر الذي يتطلب تجديد تنظيمي وهيكلي لهذه الأحزاب وتجديد في الخطاب السياسي أيضا.
- كانت الأحزاب اليسارية في صراع مع القوى التقليدية، التي كانت ترى الأحزاب اليسارية تكفيرية، لكن بعد إزاحة حزب الإصلاح من كونه شريك في السلطة، تحالف مع أحزاب اليسار في تكتل سياسي سمي بأحزاب اللقاء المشترك. – كيف أثر هذا التكتل على مسار أحزاب اليسار وعلى مسار بناء الدولة المدنية– وعلى واقع الأحزاب نفسها؟
دائما الأحزاب في نشاطها العام متقلبة في الأدوار والمواقف والتوجهات.. كان الاشتراكي والقوميين معارضة لنظام صالح قبل الوحدة ثم دخل الاشتراكي السلطة كمحاصصة وفق متطلبات الوحدة ثم انتكست هذه العملية وفق نتائج حرب94 وقرر الاشتراكي الخروج نهائيا من المشاركة في نظام صالح بل وامتنع عن المشاركة في انتخابات 97 البرلمانية، لكن ظل الحزب يقاوم من أجل استمراريته كتنظيم على الأقل واثبات وجوده العام حتى دون فعالية كبيرة. ثم تشكل مجلس للتنسيق بين الأحزاب ظم الاشتراكي والقوميين وعدد آخر من الأحزاب الصغيرة الناشئة.. سرعان ما تحول ذلك إلى تحالف أوسع تحت مسمى اللقاء المشترك بعد اخراج الإصلاح من شراكته مع صالح في السلطة وهنا كانت تجربة جيدة لكنها محدودة الفاعلية والأثر على المستويين السياسي والوطني.
المؤكد أن الثقافة التقليدية في عموم المجتمع وخصوصا ثقافة القبيلة من ناحية وثقافة بعض الجماعات المناوئة لليسار من ناحية أخرى شكلت ملمحا واضحا باستمرار أعاق الكثير من المتغيرات التي كان لها أن تدعم مسار الديمقراطية. دوما هناك من كان لا يريد تحديث الدولة وتطور مؤسساتها ولا يريد الديمقراطية لأنها تسمح بتعدد المشاركين في مؤسسات الدولة وصنع القرار وهذا الطرف كان دوما يرغب في الانفراد باستملاك السلطة والثروة معا ولايزال هذا الامر حتى اليوم.
- ما تقييمك لدور الأحزاب اليسارية حاليا؟ – أين تراها مستقبلا؟!
الاشتراكي والقوميين لهم حضور شكلي موسمي فاقدين القدرة على الفاعلية داخل المجتمع أو التأثير في صنع القرار السياسي ولعل الأحداث الأخيرة تتحدث عن نفسها ليس فشلهم في دعم مخرجات الحوار الذي زعموا أنه السبيل الوحيد لحل أزمات اليمن بل وحتى فشلهم في البقاء داخل العاصمة والنضال منها دون الهروب إلى الخارج ثم غياب أي مبادرة منهم تمكن القوى الوطنية من العودة للعمل الجماعي كما كان الأمر سابقا .أما بعد عام 2015 وحتى اليوم فلا يستطيع أي مراقب أو متابع أن يشير إلى أي فاعلية أو أثر ملموس لهذه الأحزاب تحديدا سواء بقائها شكلا والاعلان عن حضورها من خلال بيانات موسمية بين الحين والآخر. ومن اصطف مع الرئيس منهم أو من أحزاب أخرى كان الهدف ليس دعم الشرعية بقدر الحصول على مكاسب سياسية وغيرها. في هذا السياق كنت قد كتبت مقالات وألقيت محاضرات حول اليسار الجديد مساهمة في إعادة بناء اليسار اليمني وتطوير بنيته التنظيمية والإعلامية والثقافية وفقا لمتغيرات المرحلة.
- تقول في الكتاب نفسه إن تحول حزب الإصلاح الحليف الاستراتيجي للمؤتمر الشعبي العام من شريك في الحكم إلى أحزاب المعارضة، يرجع إلى المتغيرات الدولية المصاحبة لأحدث الحادي عشر من سبتمبر. برأيك إلى أي مدى تلعب السياسة الخارجية في مسار السياسة الداخلية لليمن؟!
المتغيرات الدولية التي حدثت مع انهيار القطبية الثنائية وانهيار المعسكر الاشتراكي ومعه كان انهيار جدار برلين وتوحيد المانيا وما رافق ذلك من متغيرات في العلاقات الدولية ساهم إلى حد كبير بتراجع الايدولوجيات السياسية أو ظهور مرونة كبيرة لدى معتنقيها من أحزاب وجماعات ونعني بذلك التحول نحو البرجماتية السياسية وهذا شأن الأحزاب في اليمن التي كانت البرجماتية هدفا بحد ذاته لقياداتها لأنها من بعد حرب94 لم يكن لها حضور كبير وأصبحت المحاصصة والغنيمة مسلك لها ولقياداتها وهذا ينطبق على الإصلاح كما الأحزاب الأخرى والمؤتمر نفسه . ولكن الأحزاب اليمنية وهي تعتمد البرجماتية مسلك تكتيكيا ظلت في جمود فكري وقد اشرت إلى ذلك في دراسة خاصة بعنوان “جمود ايديولوجي وبرجماتية سياسية”. الإصلاح يعاني من تضخم في التنظيم وجمود في هيكليته وخطابه الثقافي والإعلامي دونما انفتاح فكري وتجديد برامجي وهذا الأمر مدركا بوعي لدى قطاع محدود داخل التنظيم. مع العلم تنظيمات مماثلة للإصلاح عربية أجرت بعض التغييرات والأفضل في اليمن أن يبادر الإصلاح للتغيير في تنظيمه وخطابه ليشكل بذلك مسارا متقدما يخرجه من جموده الفكري والتنظيمي.
- تتحدث في مقالاتك طيلة الفترات السابقة عن الجمهورية الجديدة، ماذا تقصد بالجمهورية الجديدة؟ وهل تختلف عن جمهورية 26 سبتمبر؟!
مع العام 1962 ظهرت الجمهورية الأولى وفق ثورة غيرت الكثير في المجتمع والافراد واسست ثقافيا ونفسيا وسياسيا لمسار جديد وفق دولة تعلي من قيم المواطنة والتحديث والتنمية ..تعرض هذا المسار لازمات كثيرة وفق تعدد الانقلابات والفوضى الأمنية وحروب شطريه وصولا إلى العام 90 حيث الوحدة التي كانت هدفا للحركة الوطنية اليمنية ولغالبية الشعب ..لكن الأزمات تزايدت حدتها وفق ارتفاع معدلات البطالة والفقر والفساد واهتزاز الجانب الأمني هنا كانت الانتفاضة الشعبية 2011 كتعبير محلي للتغيير السياسي في سياق موجة تغيير في المنطقة العربية.. وكان الهدف الرئيسي أنه لو تكللت هذه الانتفاضة الشعبية بالنجاح سيدخل اليمن معها الجمهورية الثانية وفق متغيرات كبيرة وهامة داعمة للتحديث والتنمية والديمقراطية.. عدم تحقق مسار التغيير والدخول إلى الجمهورية الثانية معناه استمرار الأزمات وادواتها وخطابها لسنوات طويلة.. ما حصل وفق الانحراف بمسار انتفاضة فبراير 2011 -وهو معروف للعامة والخاصة – دخلت اليمن نفق مظلم من الازمات والفوضى والحروب الأمر الذي غاب معه أي أمل بالتغيير والتجديد.. الجمهورية الأولى كانت من العام 62 وحتى العام 1990 وهي تشمل تجربتي الشمال والجنوب في بناء الدولة.. كان الشباب في 2011 يتطلعون إلى الأفضل سياسيا واقتصاديا وحتى معنويا لكن مراكز القوى وحلفائها في الخارج أجهضوا هذا المشروع التغييري السلمي. فقد رفع الشباب شعارات الدولة المدنية وكان الشعار جيدا وان لم يستوعب الكثير مضمونه ودلالاته ولكنه كان يتضمن نقدا ضد جماعات وأحزاب مناوئة للتحديث والديمقراطية.. لا نستطيع أن نطلق اسم ثورة على ما حدث العام 2011، بل انتفاضة شعبية لأنها كانت دون قيادة ولا أهداف محددة بل شعارات جميلة. ولهذا سرعان ما تم السيطرة على الساحات وخطابها وجرى تنظيم حركية الشباب بالاتجاه الذي يخدم مراكز القوى والجماعات التقليدية والخارج الداعم لهؤلاء. الجيد هنا هو وعي الشباب بالحاجة إلى التغيير السياسي وإلى دولة مدنية لكن هؤلاء جميعا افتقدوا للأداة والتنظيم الذي يقودهم لتحقيق الأهداف والشعارات المرفوعة. بل وتشتت موقف الشباب وتوزعوا وفق أحزاب ومراكز قوى واغلبهم استمروا كمستقلين دون رافعة تنظيمية محددة.
- ظهر خلال الحرب طيلة السبع سنوات الأخيرة، خطاب طائفي وجهوي ومناطقي… كيف تقرأ هذا الخطاب وهل هو من نتائج الحرب أم أنه خطاب تجسد قبل اندلاع الحرب؟ – ما مدى خطورته على الواقع الاجتماعي؟
في كل الأزمات والحروب الأهلية يظهر خطاب غير وطني يحاول بعضهم من القيادات واطراف الصراع تحشيد مؤيدين له واتباع وفق محددات العلاقات ما قبل الوطنية أي علاقات القبيلة أو الطائفية وهذا مسلك معروف في دول كثيرة في المنطقة مثل لبنان والعراق وسوريا وليبيا وفي كثير من دول القارة الافريقية التي دخلت دوامة الحروب الأهلية.. لكن الخطاب الطائفي كان حاضرا في اليمن من مرحلة الستينات في القرن الماضي وفق أحداث العام 68 وجرى تكراره مع حرب94 ثم تكرر خلال الازمة الراهنة، لكن المؤكد أن الصراع اليوم في اليمن بصورته العام صراع سياسي وطني وان حاولت بعض الجماعات تشويهه بصورة مذهبية أو طائفية .. وهناك من يستفيد دوما من الصراعات لتحويل مسارها وفق أجندته الخاصة.. وللعلم التحشيد القبلي والطائفي يهدد وحدة النسيج الاجتماعي للمجتمع – أقصد وحدة المجتمع وهويته الوطنية – وهذه الأخيرة يجب أن تكون محل اهتمام الدولة والأحزاب والمجتمع المدني لتعزيز حضورها في وعي الافراد وعامة المجتمع. واستقرار اليمن مرهون بهوية وطنية جامعة ودونها الدخول في هويات فرعية تؤجج للصراع وتعمل على تشظي المجتمع ووحدته.
- كيف يقرأ الباحث فؤاد الصلاحي الوضع في اليمن مستقبلا؟ وكيف يقرأ دور الأحزاب بشكل خاص؟
اليمن بحاجة ماسة إلى مشروع وطني سياسي ونخبة وطنية جديدة تقود هذا المشروع حتى تتمكن من الخروج من الأزمات والحروب نحو المستقبل.. الساحة العامة فيها قيادات حزبية وحكومية لا تستطيع أن تقود مشروع المستقبل ولهذا سيظل الأمل قائما بفجر جديد ومستقبل افضل أي ببديل سياسي لكنه حتما قد يطول بعض الوقت حتى تنضج ظروفه الموضوعية والذاتية. واذا ما تمل الحل السياسي وفق ضغوط خارجية فإن النخب الراهنة ستعتمد نهج المحاصصة في السلطة وهو نهج تتأسس معه هدنة مؤقتة او طويلة نسبيا دونما دولة حديثة أو دولة المواطنة التي نحلم بها جميعا. الأزمة اليمنية الراهنة مفتوحة الاحتمالاتـ إما لتصعيد أكبر واستمرار الأزمة أو عودة الوعي إلى النخب السياسية والحزبية والعمل وفق وازع وطني من أجل خروج اليمن من ازماتها والاتجاه نحو مستقبل أفضل والاستفادة تنمويا وحضاريا من متغيرات العولمة والعلاقات الدولية التي يعاد رسمها وهندستها وفق سباق اقتصادي وتكنولوجي عالمي ومعه تحديث المجتمعات وبناء الدول الحديثة. السؤال هنا هل تمتلك الحكومة والأحزاب والنخب السياسية رؤية واضحة لمستقبل اليمن. أم أن هذا الأمر متروك للخارج كفاعل رئيسي في صناعة المشهد السياسي.. مستقبل اليمن يجب أن يقرره أبنائه وفق مشروع وطني لامجال فيه للطائفية والمذهبية أو استملاك السلطة تحت شعارات أحادية من حزب أو جماعة.. اليمن تتطلب شراكة في بناء الدولة وبناء التنمية ومعها جميعا شراكة في بناء المستقبل وفق مسار مدني ديمقراطي. لا مجال للعودة نحو الشمولية الدينية والسياسية بل نظام مدني ديمقراطي تتعزز معه المشاركة السياسية للشباب والمرأة وكل مواطن في المجتمع.