- أحمد السلامي
أن تعيش وفي رأسك خلية من الموتى، يتزاحمون كل يوم، يتقاسمون الإيحاء الصامت بأنك تعيش لتنتقم لهم ما استطعت إلى ذلك سبيلاً.
أن تعيش حيواتهم وأن تكتب القصائد التي سقطت سهواً أو موتاً من بين أصابعهم. وأن تعزف أغان لحزنهم الحزين جداً.
حزمة من الأقارب والأصدقاء أحملهم في ذاكرتي، أنتقم لهم على مهل. يسرقون
بعض وقتي، ويختارون نيابة عني كتبهم المفضلة وموسيقاهم وقهوتهم التي قد لا
تروقني، لكنني أشربها انتقاماً من لحظات شرود لطيفة، لم يعد بوسعهم الحصول عليها في غيابهم الأبدي.
الانتقام للموتى ليست مهمة سهلة، وليست كذلك صعبة. إذ تلزمك ذاكرة لتعرف
جوهر ما الذي كانوا يفضلونه، أو يتوقون للحصول عليه، أو القيام به.
أنتقم لكم باجترار الشجن، وانتحر من أجلكم بالحياة ذاتها. أعيشها بأطول
ساعات ممكنة في اليوم، وبأقل وقت من النوم، حتى أنتقم لكل واحد في وقته
المفضل، وألبي مزاجه الذي يرفض أن يغمض عينيه!
مزاج الجد وهواجسه ومحبته للسير وهو يحكي خرافاته المدهشة وأساطيره المتجددة.
لهفة “محمد حمود” على وقت مستقطع من العبودية للوظيفة من دون عقاب.
صوته المنذور طوال الوقت لأغنية المرشدي: “المعنى يقول يا من سكن في
فؤادي”. أكرس لها وقتاً، كما لوكانت تعويذة أو ترنيمة صلاة في معبد لصدى
أصوات الراحلين، وأعزف لكل ما “احتجب في سعوده”، من أجلك يا بن حمود.
خالد وهو يغامر بالسير تحت المطر ليلحق بوهم يطارده. هذا مزاج جبار يا
صديقي لا يمكن الوثوق من تحقيق شرط الانتقام لك منه، لكني أحاول.
من رحل أيضاً؟ كلهم يطلبون الانتقام!
والانتقام للموتى، ليس سهلاً
وليس صعباً كذلك
إنما في النهاية
من
سينتقم
لي!