- د. قائد غيلان
يقدم النقد الصحفي نفسه باعتباره نقداً مشروعاً مستغلاً الفراغ والفجوات التي يتركها النقد المتخصص، لكنه، أي النقد الصحفي، نقد منفلت من القيود وغير منضبط ويفتقر للأدوات النقدية الكافية، وهو لهذا يشكل أزمة حقيقية. إنه يلتقط المصطلحات دون معرفة كافية، ويستخدمها كيفما اتفق، فيضلل القارئ ويحبط المبدع، إذ يتلقاه المبدع باعتباره نقدا، وينظر اليه القارئ العادي باعتباره حجة ضد النص، وهنا تقع المشكلة.
بين يديّ الآن مقالة ” نقدية” للكاتب علي أحمد عبده قاسم تتناول ديوان الشاعرة أحلام الدميني، وهذه المقالة مليئة بالأحكام النقدية غير الدقيقة، والمصطلحات المقحمة في غير أماكنها. سأكتفي هنا بمناقشة الفقرة الأولى فقط من المقالة، لاظهار الخلل في إطلاق الأحكام واستخدام المصطلحات.
يقول في أول جملة ” شكل النص النسوي ظاهرة ملفتة منذ الستينيات” وهو بالتأكيد لا يقصد ” النص النسوي” بل ” النقد النسوي” أما النص النسوي فهو موجود منذ العصر الجاهلي.
ثم يقول في السطرين الثالث والرابع: ” حتى فرض نفسه كجنس أدبي” وهذا خطأ جسيم حين يعتبر النص النسوي جنسا أدبيا، فالنساء ليس لهن جنس أدبي مستقل، وإنما يكتبن ضمن الأجناس الأدبية نفسها التي يكتب فيها الرجال. والغريب أن الكاتب رغم هذا الخلط في مفهوم المسألة الأجناسية يفرد في مقالته حيزا لتجنيس نصوص الديوان المدروس .. !!
وحين نكمل قراءة عبارته ( حتى فرض نفسه كجنس أدبي له خصوصياته وله خطابه وقضاياه ) نراه يصرّ أن النص النسوي جنس أدبي مستقل له خصوصياته وله خطابه وقضاياه، وهو حكم عام مضلل، يدفع القارئ للتسليم والتصديق أن النص النسوي جنس مستقل قد اكتملت خصائصه وحُدِّدت قضاياه، وهذا بالتأكيد كلام غير صحيح بالمطلق، فمن المؤكد أن ليس هناك جنس أدبي خاص بالنساء، وأن الرجال والنساء يكتبون في ذات الأجناس الأدبية.
ثم يكمل عبارته: ( خاصة عندما اعتنقه الشباب وبدأوا يكتبون فيه وأسلوبه ونهحه يشكل للمرأة ويتيح التعبير عن مشاعرها وأحلامها بطريقة تلائمها وبلا قيود ) وهذا مجرد كلام إنشائي غير منضبط ولا مسؤول، إذ يصدم القارئ بعبارة ” اعتنقه الشباب ” فيجعل النص النسوي عقيدة كتابية دفعت الشباب لاعتناقها، وبدؤوا يكتبون تحت ذلك (الجنس الأدبي !) الذي يعتبر أن له أسلوبه الخاص ونهجه.
إن المرأة لاتحتاج إلى جنس أدبي مستقل لتعبر عن مشاعرها وقضاياها الخاصة، فهي تفعل كل ذلك ضمن الأجناس الأدبية المعروفة.
هذه فقرة واحدة من المقالة، والمقالة كلها تسير على هذا النحو من الأحكام النقدية غير الدقيقة والاستخدام المنفلت للمصطلحات، يقدَّم كلُ ذلك مغلّفا بلغة إنشائية متعالية ومتعالمة، تضلل القارئ وتحبط المبدع، وتعطي صورة غير صحيحة للنقد الأدبي في اليمن ..