- نجلاء القصيص
كان يجلس بالقرب مني في مقهى الحي القديم والمملوء بالعاطلين أمثالي، يجول بناظريه في أرجاء المكان برحلة استكشافية، كأنما تفتشان عن شيء ما! فنجان قهوته يتحرك بين يديه برغم محاولاته إمساكه بقوة…
بادرني: – “مابالك؟” ملامح وجهك شاحبة وحزينة..ألا تزال أنت نفس الإنسان الذي عرفت؟ – سئمت البطالة يا صديقي حد الغثيان.
كل يوم أجلس هنا لإفراغ همي على طاولة الشطرنج وقصاصات الجرائد. احتسى ما تبقى من القهوة بشراهة بالغة ودون أن يتفوه بحرف زيادة.وبعدها ودعني ومضى ليبتلعه الطريق المؤدي إلى الشارع العام…
عدت إلى تصفح جريدة مرمية على طاولة مجاورة، تصفحت سطورها المبللة بقطرات القهوة، باحثا عن إعلان ما!
فربما أجد وظيفة شاغرة وكالعادة لا فائدة، فكل الأبواب في وجهي موصدة! حين مر النادل بالقرب مني طلبت فنجانا آخرا مشبعا برائحة “البن” فهناك ورقة نقدية فئة مائة ريال لا تزال في جيبي… مضى النهار وأسدل الليل عباءته على المكان وأنا لا أزال قابعا في مكاني على ذلك الكرسي المتهالك. أرسم ابتسامة مصطنعة لكل من يمر أمامي من زبائن المقهى. بعد عدة أيام بينما كنت جالسا في المنزل.
أتابع مبارايات الدوري الأسباني التي أعشقها حد الجنون، رن هاتفي طويلا ولم أنتبه إلا في المكالمة الثالثة. صديقي يتصل!
– مرحبا – كيف حالك؟ – في أحسن حال. – أين أنت يا رجل؟
هل تستطيع الحضور إلى المقهى الآن – حسنا بضجر وتأففت، قلت في نفسي: ماذا يريد مني الآن. لقد أفسد عليّ جو المتعة التي أشعر بها مع “حبيبتي” الساحرة المستديرة.
لم أسمح لخيالي بالتعمق في التفكير وإعطاء أي تكهنات حول اتصاله! وبمجرد وصولي أطلقت لبصري العنان للبحث عنه. كان يجلس بصحبة شاب ثان على طاولة في آخر المقهى، اقتربت منهما وسلمت عليهما.
سحبت كرسيا لأجلس عليه جوارهما. دون مقدمات تحدث صديقي – سعد زميل دراستي، لديه مزرعة في أطراف المدينة ويبحث من مدة عمن يجعل الحياة تدب فيها، وأنا رشحتك للعمل فيها.
-أنا! -نعم أنت. هل ينقصك شيء للقيام بذلك؟ ابتسم سعد في وجهي ومد إلي بورقة مكتوب عليها عنوان المزرعة. “قالها” غدا نلتقى عند العاشرة صباحا. وهم بمغادرة المكان، معتذرا لارتباطه بمواعيد أخرى بصحبة صديقي. بقيت أقلب الورقة وأنا غير مصدق لما حدث معي! فربما كان حلما يستعد للرحيل كغيره من الأحلام!