- كتب: حسن الدولة
دخلت صفحة الطالب فيصل فهد المخلافي على الفايسبوك فوقفت على أخر ثلاثة بوستات ،فلم اتصور ان النبوغ المبكر ويكون سببا في الإنتحار وانا اقرأ تلك البوستات التي ارفقها ربطا بهذا البوست والتي سأوردها فيما يلي من هذا البوست ترقرقت الدموع في مقلتاي حزنا على شاب لم يبلغ الثامنة عشرة من عمرة تقريبا ادرك قبح الحياة ومآسيها فأشتاق إلى عالم الغيب حيث وصل إلى قناعة بان السعادة الابدية هي بعد الموت وانه لو لا ان الانتحار محرم لأختار مغادرة الحياة بالانتحار وحتى نقف عند فلسفة الموت لدى فيصل سوف اورد الثلاث الرسائل مبتدئا بالأولى ومهتتما بأخر رسالة من رسائله الثلاث التي انتقيتها من صفحته على الفايسبوك وهي :
الرسالة الأولى:
ويلاحظ فيها انه يؤمن بان الأنتحار محرم مع اعلان رغبته في مغادرة عالمنا الحقير إلى عالم البقاء والخلود الابدي جوار الله وملائكته فيقول :
((أتمنى لو اموت الآن ؛
اتمنى ذلك بشدة لو لم يكن الإنتحار محرم لفعلتها الآن …
اريد البقاء مع الله والملائكة هذا العالم لا يناسبني ؛ عالم حقير؛ حقير ؛ حقير)).
الرسالة الثانية :
وهي أعمق من الرسالة الأولى حيث يحدد فلسفته بلغة رومانسية سلسة انسيابية شاعرية فيقول :
((لقد خذلني الموت بالوحدة، وأكلت عظامي الطرق العارية ، لقد نمت تحت ظل الصحارى وركبت المطر .،؛ وظل الفضاء حين يمزقني الألم مثل سيف في يد جندي ميت..
غطتني العواصف بغبار الدموع..
لا اعلم ميف حملتني الطائرات مثل ورقة في فم النهر ،وشربتني النار مثل ثياب من ثلوج، وأحسنت الأيام عصري مثل حوت في لسان البحر …
كنت افكر بالهبوط حين قتلتني النجوم بالفتنة ، وكنت اصعد السلالم حين كسرت قدم الرياح بضحكتي ، وكنت اجري حين قطعت الشارع بأصابع الشجر ، وكنت مريضا حين ودعني التراب إلى النعش، لا أعلم لماذا كنت أغتسل حين تسبت عيوني في الدخان ، ولماذا تشبثت بالبحر حين كانت القشة تغرق في عيوني ؛ ولماذا بترت يدي اليمنى حين شنقت ظلي في الهواء !!
ولماذا حاولت ثقب الشمس عندما كان سريري من سحاب ، لم أفكر بالكرسي حملني إلى الجحيم حين كانت شفتي تفكر في يديك ؛ وكان الماء ينحدر مثل جبل في الغياب .
لقد كنت يتيما حين رأيت الغسيل ينشر ملابسي على القمر ؛ حينها ربنا كنت أدرك لماذا خلق الله المواكب وحيدة ولماذا سمعت أن أمي هي المجرة .))
وهذا البوست يحتاج إلى دراسة وتحليل كل جملة شعرية من قبل علماء نفس واجتماع للوقوف على اسباب هذا التحول السريع من تحريم الانتحار إلى الخوض في فلسفة الموت وانه قد حلق بروحه في عالم الغيب فصعد السلالم حين كير قدم الرياح بضحكته …وهي رسالة عميقة جدا لو تنبه أساتذته في كلية الاعلام إلى الرسالتين لما تعجل في الرحيل باكرا مختارا…
أما الرسالة الأخيرة:
أما أخر رسالة تركها قبل الانتحار فهي بمثابة وصيته الأخيرة وقد كتبها بقلمه الرشيق وخطه الجميل مرفقة مع هذا البوست حيث وجهها إلى الله مباشرة محددا عمره وطوله وفلسفته واسباب اتخاذه قرار المغادرة عن العالم الحقير العالم الذي لا يناسبه كما قال في الرسالة الاولة للبقاء مع الله وملائكته فيخاطب الله قائلا:
((أنا يا الله !
لست كاتبا أو شاعر
أنا فتى في السابع عشر من ذيول الخيبة!
أنا خطيئة أبي في قوقعة الأيام !
أنا المتر والثلاثة والستون – سنتيمتر – أرتفع إليك بيدي – اشارة إلى ان الانتحار – راجيا ، خاشعا ، ذاكرا !
أنا يا ألله :
لا أمشي كالبقية صوب الفرع !
منذ خلقتني أنزلق كوم العثرات!
أنا يا سيدي :
في الثالث من وجع الأمنيات ؛ تركت وجهي معلقا في حائط العثرات والأحجيات!
أنا الفتى المرصع بالخرافات . لا أعرف قراءة فناجين الموت !
لم ارتكب أي جرم في الحياة. غير أني مذنب حد الغباء !
أصلي كالبقية . أقرأ ؛ أكتب ، وأشاء …
أنا يا الله ، هذا الجسد العاطش أبدأ لضمور فكرة !
طفل – يافع – فقد والده في الحرب، شحوب أرملة ، وهذيان كادح !
أنا يا الله ، اكثر ما يقال عنه، حطب نار احترق ، أمي منهمة حد التعب إخوتي بؤساء وفتات اجهض بها القدر بعيدا !!
أنا يا الله ! خطيئة أب في غفلة وقت ….
التوقيع .. الأسم فيصل فهد المخلافي)).
هكذا حدد أنه مجني عليه بالوجود كما قال أبو العلا المعري :
تواصل حبل النسل بيني وآدم
ولم يتصل بي ألف ولا باء
والذي طلب ان يكتب على ضريحه:
هذا ماجناه علي أبي
وما جنيت على احد
وهي فلسفة عظماء الفلافسفة وما يلفت الانتباه شاعرية فيصل وعمق جمل رسائله الشاعرية الرسالة ما يدل أن فيصل كان مشروع مثقف كبير وفيلسوف عظيم وصوفي محدث وانه لو واصل لربما كانت اليمن ستنجب زرادشت العصر …
آمل من اساتذة علم النفس وعلم الاجتماع ان يقوموا بدراسة رسائل وبوستات فيصل للوقوف عند اسباب الانتحار وقد قال لأحد أصدقائه بأن من يقدم على قتل الأخرين سواء في معركة او في شجار هو جبان ولكن من لم يستطع ان يغير الواقع ولا ان يخلص نفسه من هموم الدنيا فعليه ان يغادر الحياة بإرادته وبيده لا بيد عمر فهو الشجاع، وهذا يؤكد أن اقدامه على الانتحار لم يكن إلا من خلال فلسفة نوت آمن بها فنفذها بقناعة تامة وذكرنا بقناعة سقراط الذي طلب منه ان يتجرع كاس السم فقال لتلاميذة الذي طلبوا منه ان لا يفعل فقال لهم أليس ما هذا القيد عبء ولو تم ازالته من قدماي سانطلق فقالوا لهم نعم فقال وكذلك روحي مقيدة بهذا الجسد فسوف انطلق الى حيث السعادة الأبدية وأبو العلاء أعتبر انه كان رهن المحابس الثلاثة منزله وفقد ناظريه ولزوم روحه في للجسد الخبيث وكذلك قال نيتشه وسينيكا وفاينجر وكلهم اعتبروا فكرة الانتحار هي ناجمة عن غربة المان والمكان والوجود لأنهم يعيشون غرباء وسط أقوامهم وهناك من يعتبر أن الجسد سجنا كما جاء في قصيدة ابي حامد الغزالي التي مطلعها:
قل لإخوان راوني ميتا
فبكوني ورثوا لي حزنا
اتظنون باني ميتكم
لست ذاك الميت والله انا
انا في الصور وهذا جسدي
كان بيتي وقميصي زمنا
الى ان يقول:
كنت قبل اليوم ميتا بينكم
فحييت وخلعت الكفنا
وبعد مقاطع يقول
فاهدموا بيتي ورضوا قفصي
وذروا الطلسم بفنا
ويحدد فلسفة الموت
لا تظظنوا الموت موتا أنه
لحياة وهي غاية المنى
لا ترعكمخجعة الموت فما
هو إلا نقلة من هاهنا
وقد قال أحدهم إن أجمل وصفة سحرية للراحة التامة المطلقة هي الموت ومن هنا تأتي حكمة تحريم الإنتحار ولو عاد الينا فيصل وسألنا عن سبب أقدامه على الانتحار لقال ما اقدمت عليه إلا لكي ترتفع روحي إلى باريها لاعيش عالم الخلود ..وكل من يذهب الى المعركة لينال الشهادة إلا منتحر وعلينا أن نناضل لإقناع ابنائنا على البقاء على قيد الحياة لا من اجل الانتحار فأرواحنا ودائع وأمانة او دعها الله فينا فلنحافظ عليها ..فقد وجدنا في هذا الوطن لنحيا فبه لا أن نموت من أجله !