- نجلاء القصيص
يتسرب من داخل الحجرة صوت تأوهها الذي يرتفع تارة وينخفض أخرى. ما يؤكد بأن أمي ذات الساقين الضامرتين والبطن المنتفخة ستضع الليلة مولودها الجديد صاحب الرقم عشرة.. أبي كررها مررا خلال فترة حملها أريد “ولدا”، أريد عشرة، بعدد أصابع اليدين فالمثل يقول: يد واحدة لاتصفق. اقتربت من باب الحجرة لقتل فضولي المتنامي داخلي؛ لأرى هل وضعت أم لا؟ فسمعت جارتنا أم شهاب تقول لأبي – تبدو ولادتها متعسرة عكس المرات السابقة، لابد من إيجاد طريقة لإيصالها إلى المشفى في المدينة. رد عليها – لن نستطيع إيجاد وسيلة نقل فالوقت متأخر، هل تستطيع التحمل حتى ساعات الصباح الأولى؟ – حالتها تزداد سوءا أتمنى أن لا يصيبها أذى. تتعالى صرخات أمي أكثر وبعدها تختفى، بينما أبصارنا أنا وأخواتي متجهة إلى باب الحجرة المغلق بإحكام من الداخل في انتظار أن تخرج جارتنا حاملة بشارة قدوم المولود. مر ما يقارب الساعة وصوتها لم يعلُ قط. فجأة! فتح الباب، خرجت جارتنا واتجهت نحو أبي تخبره شيئا ما! تغير وجهه وشحب كثيرا سبقها إلى الداخل راكضا، مكث فيها ما تيسر له. ثم خرج كطفل يحبو باتجاهنا، ضمنا إليه بقوة وأخذ يشرح لنا أمرا ما!. في البداية لم نفهم شيئا مما قال، وحين تحدث عن الجنة وأنها فتحت بابها لأمي وحان الوقت لتذهب هناك لم أصدق ما قال! كلماته أكبر من أن تستوعب، صرخت بصوت مهزوم، كلماتي لم تتجاوز حلقي، كلما حاولت أن أخرجها عادت بقوة إلى الداخل أسيرة.. رجال القرية عند الفجر بعد امتلاء بيتنا بالنساء أخذوها وساروا بها بعيدا إلى بيتها الجديد وبصحبتها أخي. في مساء مشابه تجمع رجال ونساء القرية يتبادلون الأحاديث المختلفة، عندما شاهدتهم تبادر إلى ذهني أنه أصيب بمكروه. ذرفت الدموع بقوة، إخوتي تكوروا حولي يكسوهم الخوف بعدما أصبحوا أشجارا عارية، تساقطت أوراقها بعد رحيلها. فالخريف في طريقه يعري كل شيء مهما كان جميلا… فجأة ظهر من بين الجموع وبيده أم شهاب، اندفعت وإخوتي نحوه لتحول بيننا وبينه ابتسامة خبث رسمتها الجارة وسط نظرات أهالي القرية الحائرة…