- عبدالكريم الرازحي
بعد عودة كنوز إلى قريتها تذكر ابن العاقل كيس الطحين واسرع يجري إلى الطاحون لكنه حين وجد الطاحون مغلقا خاف تضربه امه إن هو عاد اليها من دون الطحين فكان إن واصل الجري إلى بيت العم فرحان صاحب الطاحون وراح يدق الباب وظهرت مريم زوجته تساله عما يريد فأخبرها بأنه يريد كيس الطحين وكلمت زوجها فقال لها :
-“قولي له يجي بكرة “
قالت له من الطاقة :
-” يقول لك ارجع بكرة”
قال لها ابن العاقل :
-” قولي له امي شتضربنا “
قالت له :” زعام امه شتضربه”
وخرج العم فرحان وهو يصرخ ويلعن ويشتم ويقول له :
-“جالس تلعب لامغرب وتجي ذلحين تخرِّجنا من بيتي مونا الطحّان حق امك وبعداموحاجة
امك للطحين يا ابن العاقل وقامعاكم مكينة تخرِّج الذهب”
لكن ابن العاقل كان يعمل بنصيحة امه وكانت قد نصحته أن يسكت ويلوذ بالصمت ولايرد على كل من يساله اويكلمه عن مكينة الذهب .
ويومها وهو في طريق عودته إلى البيت شعر بشيئ غريب يتحرك في مؤخرته فكان ان توقف ومد يده الى فتحة الشرج واحس بحزمة كائنات لزجة تملأ قبضته لكنها كانت اشبه بالجنين الذي يخرج راسه وبقية جسده في الداخل ومثل القابلة وهي تسحب الجنين الى الخارج راح ابن العاقل يسحب تلك الحزمة من الكائنات اللزجة ولحظة ابصرها في قبضته وهي حيَّة تتلوى شعر برعب ساحق ورمى بها بعيدا ولشدة ماكان مرعوبا ترك كيس الطحين وجرى عائدا الى البيت وهو يصرخ ويبكي وبعد ان وصل قال لامه وهو يواصل البكاء :
- “حِنشَان يمّا خرجت من بطني “
وراحت امه تهدئ من روعه وتقول له : - “زلَّيْطْ زلَّيْطْ ( ديدان ) مش هي حنشان موفجعك!!
،يومها لم يكن يعرف ماهي تلك الكائنات التي خرجت من بطنه والتي قالت له امه بأنها( زلَّيْط) ولم يسبق له أن سمع بها أو ابصرها لكنه اول ماابصرها اعتقد بأنها ثعابين فقد كانت اطول من كل الديدان .
وعندما عرفت جدته بان الزليط هي التي سببت له كل ذلك الرعب دخلت تصرخ في امه وراحت توبِّخها وتعنِّفها وتقول لها : - “النصراني في بيتك والنسوان مع جُهَّالهن أجَيْنْ لاعندُه يِتْداوَيْن وروَّحين وانتي بطن ابنك ملئان زليط وجالس مُقَعِّي”
قالت امه : موتشيني اعمل !!
قالت لها جدته : - “كيف موتعملي!! كُنتِي شتدخِّلوه لاعند النصراني يندي له حبوب اللي تخرِّج الزلّيط”
قالت امه لجدته : النصراني يما شرجع
وراحت تحكي لامها عن منام فازعة لكن امها صرخت في وجهها وقالت لها : - وانتي صدقتي فازعة !!فازعة مخرف
وكان راي الجدة بان النصراني اما ان يكون قد هرب فعلا اوانهم قتلوه .
لكن نساء القرية بمافيهن زوجة العاقل كن قد صدقن منام فازعة من ان النصراني سوف يرجع ثانية للقرية ولشدة ايمانهن برجعته رحن يبشرن بعضهن البعض ويبشرن المرضى
وكانت كل ام تسمع طفلها المريض يصرخ من الالم او يهذي من الحمى تطلب منه ان يصبر ويحتمل الالم الى حين عودة النصراني
وكان الايمان برجعة النصراني قد تحول الى عقيدة لغالبية نساء القرية والقرى المجاورة وكانت كنوز لشدة ايمانها بالرّجعة قد تغيرت و لم تعد تلك الحزينة .كان الفرح في عينيها حين تنظر ،وفي ضحكتها حين تضحك ،وفي صوتها حين تغني وهي راكبة فوق حمارها العابر للقرى. لكنها عندما كانت تأتي الى قرية العكابر لاتأتي لتسال عن النصراني وهل رجع ام لا !!مثلما كانت تفعل من قبلاو مثلما تفعل بقية النساء وانما كانت تأتي لان لها في القرية علاقات وصداقات وتأتي لرؤية صديقاتها :شُمُوس وخولة وشُجُون ناشر ولول شاهر وهند زوجة الفقيه وغيرهن من فتيات ونساء القرية. ثم انها لم تكن تأتي وتعود في نفس اليوم مثلما في السابق وانما صارت تمكث يومين اوثلاث ايام واحيانا تبقى لاسبوع وكانت تنزل هي وحمارها في بيت فازعة وتتصرف كما لو انها في بيتها .
وفي ذات زيارة لم تسمح لها فازعة بالمغادرة وطلبت منها ان تبقى لمدة شهر واستغربت كنوز من اصرار فازعة !!ولم تكن تعرف لماذا تصر ان تبقى شهرا بكامله!! وماهو غرضها!! وعندما طلبت منها فازعة ان تدخل الحمام وتخلع ملابسها بدت محتارة من طلبها وراحت تتساءل بينها ونفسها عما تريده فازعة منها !!
لكنها حين ابصرتها تدخل ومعها طاسة مليئة بعجينة الطين قالت لها:
-” ياخالة فازعة قد تغسلت وتِصَوْبَنْت بعجين الطين، وبعجين الرماد ،وبعجين الشجر، وبضفع البقر ومافيش فايدة لاتتعبيش نفسك واني قانع وراضي بحكم ربي “
لكن فازعة لم تترك لها فرصة للاعتراض وطلبت منها ان تسلِّم لها جسدها وتكف عن الكلام.
وكل يوم كانت فازعة تغسل وتصوبن جسد كنوز بطين تُحضِره من مكان قريب من(هيجة المدارين) ومن نفس الطين الذي يصنع منه المدَّارُون الجِرار وكيزان الماءوبقية المواعين. وكانت بعد ان تُحضِر الطين فوق حمار كنوز تقوم بتحضيره : تعجنه بالماء الفاتر وتخلطه ببعض الاعشاب الطبية وبدمٍ تستخلصه من جذوع وسيقان بعض الاشجار الصمغية وتشكِّله على هيئة قوالب الصابون وتصوبن به جسد كنوز وهكذا كل يوم وبعد مرور شهر قالت فازعة لنساء القرية بأن البنت كنوز سوف تغادر القرية عائدة الى قريتها وطلبت منهن ان يحضرن ويقمن لها حفلة وداع ويومها تجمّعن في بيت فازعة وكل واحدة منهن احضرت معها ماطاب لها من الاكل وعند حضورهن اكلن وشربن وغنين ورقصن وضحكن وفي نهاية الحفل طلبت فازعة من كنوز ان تفتح كنرها وفتحت كنوز الكنز ووقفت وسط الحجرة عارية وبكامل فتنتها ولحظتها وقفن مذهولات وم يصدقن عيونهن حين راينها
كانت كنوز تبدوكأن الله انتهى تلك اللحظة من خلقها .كانت بكامل فتنتها انثى كاملة لاعيب فيها وكان جسدها املس ناعما مصقولا مثل حجر السائلة ونهداها اكثر استدارة من قِبَاب
الولي شعلان ولي الحب والحمل . بعد مرور ثلاثة اشهر على حبس العاقل بجاش وفي صباح ذات يوم وهويحرث حقلا له خارج القرية وجد هزاع البتول جثةً مدفونةً وسط الحقل وقد تبين فيما بعد انها جثة النصراني وكان ان اثار خبر مقتل النصراني عاصفة من الرعب والاسئلة وراح الكل يسال : - من هو القاتل؟ ولماذا قتله؟ وهل قتله طمعا بالمكينه؟ ام قتله ليورِّط العاقل بجاش؟ ٠
ويومها اسرع بعضهم الى حيفان ليبلغ الحكومة بجريمة مقتل النصراني
لكن الحكومة لم تتخذ اي اجراء ، ولم تجرِ اي تحقيق، ولم تكترث لمقتله واكتفت بأطلاق سراح العاقل بجاش والمترجم منصور الجرادي .
وكان مقتل النصراني قد احزن النساء واوجعهن ورحن يقصفن قاتله بوابل من اللعنات ثم ان فازعة ومجموعة من نساء القرية اتفقن مع حفار القبور ان يحفرله قبرا على حسابهن وحددن له المكان وخوفا من الفقيه الذي عارض دفنه في القرية خرجن ليلا بالفوانيس بعد ان نام الجميع وقمن بدفن رُفَاته تحت شجرة إثأب خارج القرية تطل على السائلة وفي ارض تعود ملكيتها للفقيه وسرعان ماشاع خبر القبر بين النساء وكن عندما يمرضن اويمرض اولادهن يزرن قبر النصراني سرا، ويقران الفاتحة على روحه، ويطلبن من النصراني ان يشفيهن من امراضهن ويشفي اولادهن وسرعان ما ظهرت للنصراني الميت كرامات تتناقلها الافواه وإذ به يتحول الى ولي وله حضور قوي وبمجرد ان عرف الفقيه بان النصراني مقبور في ارضه وتحت شجرته وبأن النساءيزرنه ويتبركن به حتى ثارت ثائرته وراح يلعن فازعة التي تنبأت برجعته للقرية .
وكانت فازعة مدرسة في صناعة الأولياء .