- كتب: أحمد النويهي
جدلية الصراع وديمومته.. هذه الدورات من العنف والعنف المضاد، الذي لازال يوقد بضلوعنا والصدور كمواقد لا تنضب من أجسادنا.. جدلية الصراع في سطور الأستاذ محمد الغباري تنضح بالكثير والمثير في متناقضات الصراع الممتد..
بكل الشغف تتبع الكاتب في سلسلة حوارات مرتبة، أجتهد من خلالها للوصول إلى أقاصي الوجع الناشب في البلاط الرئاسي والرواق الجمهوري ..
كما لو تفلت الكاتب وهو الذي أشتغل على أوراق هذه المذكرات التاريخية، من خلال عمله في الصحافة لثلاثون عاماً واكثر ، تنقل خلالها بين أكثر من صحيفة وموقع، وهو يفتش عن سيرة الزمن ليقف على شرفة تطل على الهاوية التي آلت إليها مآلات الناس وأحلامهم في العثور على ناجون من محارق الصراع الممتد على السلطة والثروة في بلاد العربية السعيدة.. سيلاحظ القارىء أن الأحداث لا تأتي فرادى، لكنها تراكمات ونهايات قد لا تفضي لمرحلة تمتلك خلالها الكينونة والديمومة.. بقدر ما حضر النقيض المرعب والمخيف والذي كان من أبرز نتاجاته اختفاء الكثير من المناضلين في مختلف دورات الصراع بين الصف الجمهوري، ومن تمترس كخصم للتغيير الشامل في لحظة عصفت بالبلاد، كما وصفها المهتمين والمؤرخين وإن كان ما كتب إلى الآن لم يرقى لنتصفح قراءة وافية عن حقيقة المعترك والمعركة التي أستهلكت الزاد وقد طال المسير لهثاً خلف ذلك المصير..
هذا الدفق البلور نافذ لذهن المحاور وقد أدرك حقيقة الصراع، كما تركه عنوان هذه الأوراق التي بلا شك أرى أنها وردية وليست سوداوية كما يصف ويصنف الكتاب الحقائق التاريخية عادة بانها سوداء ..
يتناثر الورد من خلال شرفات الروح والحديث ياخذ شكل المنحنى الذي غاب خلفه المحارب نتيجة استهدافه بنيران صديقة بحسب تعبيرات الصحافة العالمية، وربما كان الاغتيال ليس ذلك الموت الجسدي بقدر ماكان ولازال اغتيال معنوي يخفي مآثر الكثير من الأبطال الذين حملوا القضية اينما أتجهوا حينما شرقوا وغربوا شملوا وكان الجنوب المهد والحضن والباعث لحركة الثورة بواحديتها الأزلية..
عصف ذهني باذخ لنصل ونتصل بأغوار ربما قد لا تسمح الظروف بمحاولة جريئة للوقوف على أحداثها التي تشكلت من خلالها هذه الجغرافيا حين طوى سبتمبر ألف عام من الاستبداد والعتمة، لينبثق النهار ذلك المد الثوري الممتد..
الحوار موعد والمحاور وجد يطرق أضابير التاريخ وينفض غبار الذاكرة.. كان محمد الغباري بقلمه بصفحات جريدته يفرد للقارىء مادة تقدم شهادة للتاريخ تروي بلا انقطاع محطات شكلت التحول في أقاصي الوجع النازف في خارطة البلد المجني عليه..
أجدني يبحر في أغوار ذاكرة اختزلت المثير في حوارات شيقة جائت في سياقها الزمني ليتمد بها الإصدار على ورق الصحف أنذاك حتى صارت هذا الفيض الانساني الملتزم لقضيته ..
أجدد ثقتي بالصحفي الأنيق والمقتدر الرفيق محمد الغباري، وقد عاصر على مدى عقود تلك الأحداث التي انتزع للقارئ هذه المقدمة الأولى ليتوالى الاصدار في رصد حصيف لسيرة الصراع الناشب على رقعة جغرافيا لازال العالم الخارجي يتحكم بتفاصيل ومفاصل معاملات تخصيب العنف باكثر من شكل واكبر من إطار..
أروض ذاكرتي وأدله السطور حين تناولت قراءة موجزة عن كتاب أرى فيه فهرس للمتوالية على منوال يغزل عن اليمن الوطن الحلم والسفر الخالد بين الضلوع..
أشتت الغبار العالق بذاكرة المسافر وأنفض عني ذلك الخذلان والتثاؤب والملل ، ليجدد مع السطور المخملية والصور الملونة بالأبيض والأسود قبل معامل التحميض الأمني في دهاليز واقبية المعتقلات والسجون وغرف التوقيف والتفتيش..
عن المنطقة الرمادية وسحب الصيف يبدد الكتاب الكثير من الزيف ليكشف وجه الحقيقة في زوايا لازالت قاتمة ومسكوت عنها.
ليست إلا مقدمة شبقة لثرثرات تتكاثف من خلال مارثونات الأسئلة واللهث خلف الإجابات لحظة قيد يجب أن تدون..
تحرير الحوار هو ذلك التدوين المسؤول ليصبح ذلك اللقاء المباشر في مواجهة جادة مع من عاشوا الأحداث و قد كانوا جزء من مفاعلات التغيير .
يصبح الكتاب نافذاً وناقداً وثاقباً يفتح باباً لمزيد من البحث والتنقيب عن جدلية الصراع في المستقبل الذي مهد له هذا الإصدار.