- منصور الأصبحي
العرب حساسون جدا في تحليل الكلام، بالتالي هم يطلقون على بعض العبارات صفة الشعر، ومن ذلك قالوا بأن القرآن شعر وهذا ليس من فراغ لكن لاحتكامهم للقوانين الشعرية. وعند الحديث عن قصيدة النثر يجب أولا معرفة تأصيلية هذا النوع من الشعر “الحر” والذي يعتبر تجديدا أو انتقالا تدريجيا عن التقليد الشعري الذي قام عليه الشعر الموزون ذو الشطرين. والشعر من حيث المبدأ هو كلام يقصد به الوزن والتقفية، أما إذا اتفق ذلك في الكلام على غير قصد فلا يسمى شعرا، هذا الحصر القصدي الذي سيكون ردا على متهمي “القرآن” بأنه شعرا، حتى في الآيات التي وردت موزونة. كما يبعد النصوص النثرية العربية القائمة على التجليات الذاتية والتجريدية، كما في النثر الصوفي تحديدا، وعليه يبقى أي نص شعري بكل أصنافه “شعرا” وبحسب الدكتور “حاتم الصكر” : أي بحث في إيقاع الشعر غير محدد، ما دام لا يؤكد الحقائق الموسيقية الخارجة التي اكتشفها الخليل بالشعر العربي، والمنطلقة من كون الشعر كلاما موزونا. يلاحظ أدونيس أن هناك توافقا بين قول الشعر وسماعه، أي بين ما يقصده الشاعر ويقصده المستمع. يرى “حازم القرطجاني” أن هناك فرق بين شعرية “الشعر” والقول “الشعري” إذ ربط بين الشعرية والتخيل دون محاكاة. يرى “الفارابي” أن القول إذا كان مؤلفا مما يحاكى الشيء ولم يكن موزونا بإيقاع فلا يعد بشعر، لكن يقال له قول شعري. وربما حطمت قصيدة النثر إيقاعها الخارجي لتفسح حيزا كبيرا لاستضافة السري في الشعري انطلاقا من جوهريتها الدلالية ذاتها. كما حطمت جانبها الصوتي ما جعل اعتمادها أولا في بنائها على الدلالة، مع ملاحظة أن عناصر الدلالية وحدها تكفي لخلق جمال مطلوب. وقد أنصفت الناقدة “سوزان برنار” قصيدة النثر بل أخبرت عن جمالياتها بقولها -والذي أذكر جزءا بسيطا جدا منه- : إن قصيدة النثر مستعارة من النثر العادي والذي يخلو من البهرج والزخرفة، فكلماتها مشحونة بقوة خفية يسري عبرها التيار الشعري كما يسري التيار الكهربائي عبر سلك غليظ ليغرقنا بالنور فجأة. كما تمتاز بالإيجاز والوحدة الموضوعية والاستقلالية في تكوين عالم قائم بنفسه.