- كتب: ماجد زايد
لم يكن أمامه طريق أخر، سوى الإنخراط في ثنايا الحرب والصراع، ليصبح أحد السائرين في ركابها وجنباتها، بدوافع العوز والإحتياج، سليمان داوود، أو كما تعرفه الأجيال الفائتة “كشكوش”، ممثل من عمق الشعب وبسطائه وموهوبيه، وأحد أهم وأبرز الذكريات الممتعة في حياة اليمنيبن بمئات الألاف والملايين وبشتى البقاع اليمنية، لمع نجمه عاليًا في فترة الألفين وما تلاها، لكنه سرعان ما ضاع في متاهات الغياب، ليجد نفسه في النهاية محاصر بين شهرة عارمة، وواقع تعيس لا يقدم له شيء، واقع جثم على روحه وأرغمها على الرضوخ والإنغماس..
مسلسل كشكوش، في حياة سليمان داوود، كان بمثابة طفرة منحته الشهرة، لكنها أخذت منه أشياءًا لاحقة، لم يستطع بعدها الحصول على نجومية أخرى بمسلسل أخر، لكنه بقي حبيس الطفولة والسخرية في عقول الناس والمنتجين، كأنه عقاب من نوع متقدم عن تضحيته في دور كشكوك، ربما الأمر يتعلق بشهرته الكاسحة آنذاك، وربما هي نتيجة فكرة واحدة إكتفى الجمهور بتدوينها في عقولهم عنه، ليجد نفسه بعد عشرين عامًا متروكًا في بيته وحاراته بلا عمل، وبلا لقمة محترمة لعيش أبناءه، في ظل واقع تحاصره الحرب من كل الإتجاهات، في وقت ذهب فيه الكثير من الممثلين للبحث عن أدوار أخرى، بعضهم صاروا نجومًا للسوشيال ميديا يجمعون التبرعات ويبكون على المحتاجين، وأخرين إستمروا في التمثيل بأبسط المشاهد وأقل الإستحقاقات، حدث هذا بعد وفاة أغلب نجوم الدراما اليمنية، ليخلفهم نجومًا أخرين أخذوا الأضواء، وأستولوا على المشهد الدرامي برمته..
في السنوات الأولى من الحرب،، بإحدى حارات حي تونس بصنعاء، كأن بإمكانك أن تجد سليمان داوود يعيش في زوايا الفراغ هناك، من رصيف الى رصيف، ومن مكان الى مكان، لزاوية مقابلة، يجلس مع الجالسين ويسير مع المتجولين، بلا عمل وبلا أدوار، وبلا نجومية شعبية في مواقع التواصل الإجتماعي، كل الجهات أمامه كانت مسدودة، وكل الفرص صارت محتكرة، وكل السبل كانت غائبة عن واقعه وقدراته، لكنها الحرب، من تملأ الأرجاء وتستفرد بها، الحرب من تمنح العديد من الفرص والأدوار، وأمامها وجد سليمان داوود نفسه مرغمًا على أكل عيشه في جوانبها وصراعها، إنخرط مكرهًا ومُروجًا لضرورة الإنتصار والإقتتال، وهكذا وجد طعامه وحياته، وقوت أيامه وعياله، من جبهة الى أخرى، ومن معركة قريبة لمعركة قادمة..
سليمان داوود، ضحية حقيقية عن الدور الواحد، والمتعة الشعبية العارمة، وأحد ألمظلومين والمطحونين بفعل الأنانية المفرطة والخوف الإنتاجي لكل ماهو محسوب على متعة رائجة من الماضي، هذا الممثل ضحية الحاجة، والعوز، والإنسداد المعيشي، والضرورة حينما تبيح ما لا يمكن تصوره، ليتمكن صاحبها من البقاء على قيد الحياة، في مجتمع يسير على الإنانية والإحتكار بشتى جوانبه وأدواره.