- كتب: المقالح عبدالكريم
(1)
مدينة الدهشة بحق..
كل من سمع بها أفتتن بصيتها..
ومن أحبها تمنى التعرف عليها..
ومن تعرف على عقيقها.. حلم بالاقتراب منها أكثر.. والغوص فيها أعمق.
أسرارها حشود وأسراب.. كلما فككت أحدها طوقتك منها عشرات..
وكلما أدعيت أنك امتلكت مفتاح شفرتها الأزلية حاصرتك بطلاسمها السحرية.
الهيام بجمال صنعاء لا ينتهي.. ولا يصل بعاشقها إلى منتهى..
تماما كتائه في بحر لجي متلاطم الأمواج..
كلما اجتاز عقبة اجتاحه ظمئ لهاب..
وكلما عب قطرات ليطفئ عطشه تزايد عطشا على عطش.
صنعاء… ليس كمثلها مدينة على وجه البسيطة..
والشواهد أكثر من تعدادها.. والبراهين أقوى من دحضها
حمرة ياجورها الغماز للزوار.. بياض جصها الخالب للألباب..
قمرياتها.. نقوش شرفاتها الخشبية.. بيبانها .. نوافذها..
وكل شيء فيها.. كل شيء أجمل من أي شيء..
رأته عين أو هام به فؤاد..
أو ساور أمنية عذراء ببال أسطورة لؤلؤية الوهج.
تجوالك فيها لا يداهمه ملل أو سأم..
مهما تطاولت ساعاتك بين أزقتها وشوارعها
تلفتاتك العجلى أو المتريثة لكل شهقة اندهاش لن تتعب منها أبدا..
وأنت تلم بنبض قلبك أشذاء السحر المتطاير من بيوتها.. بساتينها.. جوامعها..
كل شيء فيها يغريك بأشياء بها..
ومهما بلغ إدمانك.. ومهما كان افتتانك..
محال أن تكتفي من روائعها الحسان الحسان
إلى درجة الخرافة.. إلى حد اللامعقول.
وقد تتعب أنت منك وتتساءل: ماذا تريد مني هذه المليحة..؟!
لا… بل ماذا أريد أنا منها..؟!!
كيف أمتلكها كلها من نظرة.. من جولة.. من…..
ومحال يا صديقي..
أنت على موعد دائم ومتجدد مع الكنز نادر المثال..
بمجرد سماعك حروف اسم المعجزة: صـ نـ عـ ا ء
فما بالك بزيارة أخرى قادمة..
سواء على قدميك أو على رفة جفنيك..
وأنت تستقصي المفاتن الملهمة..
عبر أيقونات بصرية..
خاصة الفوتوغرافية منها..
وبالأخص لقطات المصور الشاب:
الفنان حامد فؤاد.
(2)
يمسك بالكاميرا منذ 10 أعوام تقريبا..
بوابته الأولى: التصوير الصحافي.. وتحديدا الصحافة الثقافية..
وخلال هذه الفترة الوجيزة.. نجح الفوتوغرافي الشاب حامد فؤاد في تقديم تجربة فنية واعدة رغم صغر سنه.
ولعل أهم ملمح في إبداعه الفوتوغرافي.. هو وعيه التام وإدراكه العميق للمنجز الفني الذي قدمه كثير من المصورين الفوتوغرافيين.. سواء يمنيين أو غير يمنيين.. وخاصة على مستوى ” الألبوم الصنعاني “.. الأمر الذي يدفعه باستمرار إلى المغايرة من خلال أنماط شتى من التجريب والمغامرة.. في سعي جاد منه مع نفسه من أجل الابتكار الإبداعي.. ليحجز لاسمه مكانا مرموقا وليؤكد حضوره بشكل لافت وليقدم أعمالا ضوئية متفردة في صفاتها.. ذات بصمة استثنائية في مواصفاتها.
وهو فعلا ما نجح وينجح بتفوق فيه المصور الشاب حامد فؤاد..
حيث تمتاز لوحاته الفوتوغرافية بالكثير من الجديد المبدع.. الذي يرغم المتلقي على الاندهاش منه.. كما أنه في أحايين كثيرة.. يقدم لوحاته الفنية بشكل ” خام ” تماما.. بدون أي رتوش أو تحسينات.. فقد نرى أسلاك الكهرباء أو الهاتف.. في منتصف المشهد أو أعلاه.. إنه بذكاء يتحاشى إضافة أية لمسات تجميلية للكادر المصور والذي التقطه بمنتهى الدهشة وفي ذروة جماله الطبيعي.. ما يزيد من القيمة الفنية للتفاصيل المصورة بعناية وتدقيق.. غالبا ما تكون على شكل مفاجأة غير متوقعة.. تدفع بالمتلقي إلى التساؤل بحيرة لا ينقصها إعجاب أو افتتان:
لماذا فعل هذا..؟!!
ماذا يريد أن يقول لنا..؟!!
هل هي رسالة ضمنية يبثها بين المفردات..
مفادها ” صنعانا ” العظيمة في خطر.. أو يكاد الخطر يوشك بها..
أو أنه محدق بها.. أو يحاصرها..
وربما يخنقها..؟؟!!
(3)
المتأمل لألبوم مدينة صنعاء القديمة التاريخية.. بعدسة المصور الشاب حامد فؤاد..
لابد ستنال إعجابه مختلف اللقطات والتي قام باصطيادها بمهارة فائقة وذائقة فنية عالية المستوى.
وعلى تنوع فضاءاتها المكانية ومواقيتها الزمانية.. إلا أنها تنساب برقة وسلاسة في خرير عذب تتعدد مساراته وعلى نحو يشكل حزمة من الخصائص الجوهرية والسمات الفنية.. التي تجعل للمصور حامد فؤاد آفاقا خاصة به.. امتلكها وحده بفضل شغفه لهذا الاشتغال الإبداعي ومثابرته الدائمة وإخلاصه الدؤوب من أجل أن يكون صاحب صوت متفرد وأثر متجدد في مضمار التصوير الفوتوغرافي.. وعلى نحو مبدع للغاية.. فهو لا يقلد من سبقه أبدا.. كما أنه لا يستنسخ من أحد أي شيء سواء على صعيد الرؤية أو الأسلوب أو التقنية.. وكل ذلك من أجل أن يكون ” مضيفا ” حقيقيا لا مجرد إضافة شكلية أو كمالة عدد.. وهو فعلا ما يبرع فيه المصور الشاب حامد فؤاد.. وبتفوق مميز الأداء متفرد التجربة.
(4)
لعل أول وأكثر ما يشد الانتباه في فوتوغرافيا المصور الشاب حامد فؤاد..
هو نوعية الزوايا التي يتخيرها لالتقاط المشهد الذي عثر عليه..
حيث ترتكز على الحدة الفارقة.. وسواء كانت جانبية أو أمامية.. فهي دائما واسعة جدا.. تمتاز باحتوائها على فيض لا محدود من التفاصيل.. وهو ما يجعل الكادر يضج بالحيوية دون مبالغة.. وقد تأتي في إطار فارق للغاية : عمودية / رأسية.. وغالبا تنطلق من الأسفل إلى الأعلى.. ما يجعل الجو العام للوحة يكتسب الكثير من الدلالات العميقة.. وهو ما يلجأ إليه كتاب السيناريو أو مخرجي الأفلام السينمائية.. سواء درامية أو وثائقية.. عندما يرغبون في تجسيد مهابة أو عظمة مكان أو شخصية معينة.. وذلك بتدرج يبدأ بالاقتراب البطيء من الموضوع ثم ارتفاع الكاميرا ببطء.. وهي تأخذ كامل التفاصيل.. وعلى العكس عند تجسيد الضآلة والدونية والهامشية للموضوع المصور.. يتم التقاطه من أعلى فيبدو صغيرا تافها مثل نقطة وحيدة لا قيمة لها.
وإذن اختيار المصور الشاب حامد فؤاد.. لهذه النوعية المبتكرة من الزوايا.. تعد علامة بارزة وتكتسب أهمية كبرى في تجربته الفنية.. إذ إنه يعيد بإصرار تذكيرنا بقيمة صنعاء القديمة.. كمدينة تاريخية تكتنز الكثير من الجواهر النادرة.. التي تجعلها تتصدر قائمة أبرز وأهم المدن القديمة والتي ما تزال صامدة في وجه العصور ومأهولة بالسكان منذ قديم الأزل.
(5)
لحظة.. لكن ماذا عن ماهية التفاصيل التي تجتذب الحاسة السادسة
للمصور الشاب حامد فؤاد.. في مدارات مدينة صنعاء القديمة..؟!!
ببساطة كل شيء في آزال صنعاء يغريه بالتقاطه.. وعلى درجات متفاوتة.. تبدأ بالإيقاعات اللونية للفضاء الذي اكتشفه وعثر عليه.. ربما بعد جولات بحث ورحلات تنقيب. لذلك ستجد في كثير من مشاهده تكرارا متعدد الهيئات لثنائية الأبيض والأحمر.. التي سرعان ما تتحول في بعض الأحيان إلى ثلاثية عبقرية بإضافة عنصر الحياة: اللون الأخضر.. والذي تزدان به التفاصيل المصورة.. من خلال تواجد شجرة وارفة الأغصان.. أو تجمع أشجار متجاورة.. وهكذا تتداخل ألوان التفاصيل الثلاثة معا: الجص والياجور والشجر.. فتصنع تكوينات فريدة جدا.. تدفعك تلقائيا إلى الدخول معك في تحاور ذاتي.. وأنت تستفسرك عن هذا المكان..
أين هو بالضبط..؟! في أي حارة من حارات صنعاء القديمة يقع..؟!!
وكل ذلك نتاج إدراكك المسبق لحقيقة أن الاخضرار في العادة.. يتواجد داخل مربعات محصورة في صنعاء القديمة.. كالبساتين والمقاشم.. وهو أمر مألوف ومعتاد.. لكن وجود شجرة وحيدة مثلا في صورة معينة.. ملتقطة في صنعاء القديمة.. كيف وأين عثر عليها المصور الشاب حامد فؤاد..؟؟!!
(6)
التكوينات الخارجية للمدينة الصنعانية الفاتنة.. لا حد لسحرها متعدد الصنوف والنكهات.. والذي تتهاطل أنداؤه في كل حين.. جمالا وألقا.. على القلوب والأرواح قبل العيون.. بمجرد التجوال في شرايينها الصغيرة أو الكبيرة..
لكن ماذا عن الأسرار الكبرى لما وراء الجدران الخارجية..؟!!
كيف يقترب منها المصور الشاب حامد فؤاد..؟!
ماذا ينقل لنا من كنوزها المخفيات وعجائبها الفريدة..؟؟!
انطلاقا من حقيقة أن الأماكن تكتسب حيواتها من إنسانها الذي يسكنها .. لذا تبرز واحدة من أهم الخصائص الفنية في تجربة المصور الشاب حامد فؤاد الإبداعية..
والمتمثلة بفن البورتريه.. أي تصوير الأشخاص في لقطات قريبة أو بعيدة أو متوسطة.. والملاحظ في هذه الفئة أن المصور الشاب حامد فؤاد.. يقدم رؤية إبداعية جد متفردة.. من خلال الكادر الذي يلتقطه من زوايا غير مألوفة لكنها مبتكرة في مدلولها.. وهي ميزة مهمة جدا في تجربته الفوتوغرافية.. حيث يتحول الإنسان الذي التقطه ضمن التفاصيل المحيطة به إلى هامش على متن بقية مفردات المكان المتواجد داخله.. وبذات النقطة التي ينطلق منها في اصطياد المعالم الخارجية للأمكنة.. فهو يبدأ من أسفل إلى أعلى.. أو متخيرا أحد الجانبين.. إما اليمين أو الشمال.. أو من الأمام.. وفي كل الحالات ينجح المصور الشاب حامد فؤاد في تحويل البؤرة المركزية المتمثلة بالشخصية إلى نقطة ثانوية لا تشد العين ولا تثير الانتباه بسبب صغر المساحة الموجود فيها.. مقارنة بالمساحة الأكبر والتي أفردها لجزئيات المكان التي بهرته نوعيتها وجذبت اهتمامه كما في لقطاته داخل الجامع الكبير.. والتي تصور الشخصيات ضمن حيز مكاني كبير.. قد تكون الخلفية: شبابيك خشبية زجاجية كبيرة.. أو أقواس الأعمدة المتراصة حتى عمق المشهد.. أو السقوف المنقوشة.
(7)
ممتعة جدا وآسرة للغاية تجربة المصور الشاب حامد فؤاد الفتوغرافية..
حيث لا ينقصها الادهاش ولا تفتقر للإبداع أبدا..
خاصة التقاطاته الرائعة لتفاصيل ومشاهد متعددة خارج نطاق المدينة الصنعانية.. وهو ما سنتوقف عنده في محاولة أخرى..
تقترب وتستقصي عوالم فريدة واستثنائية.. تحوي موضوعات متنوعة.