في نفس اليوم الخامس من يوليو المشئوم الذي يصادف يوم أمس وقرر فيه شاعر الحب والوطن المنشود المناضل عبدالله عبدالوهاب نعمان (الفضول) قبل 37 عاما أن يترجل عن صهوة الشعر والحلم .. رحل في ظروف غامضة “غاندي” اليمن المجدد والمناضل الوطني محمد علي الربادي قبل 26 عاما مكللا ببياض الأنبياء.. المجد والخلود لروحيهما والسلام ..
إنه الأديب محمد علي حسن الربادي، ولد في 29 أكتوبر من العام 1935، مدينة إب، وفي بعض كتاتيبها تلقى مبادئ القراءة والكتابة، ثم التحق بحلقات العلم في الجامع الكبير في مدينة إبّ، فدرس عددًا من العلوم الشرعية واللغوية، ولازم القراءة والاطلاع، فنمت ثقافته، وتوسّعت معارفه…
بدأ العمل تاجرًا في دكان صغير لبيع القمح، ثم عمل بالتدريس فترة، ثم عمل إداريًّا في دار المعارف، وبعد قيام الجمهورية على أنقاض النظام الملكي عام 1962م تنقّل في أعمال عديدة إذ تعيّن عام 1965م نائبًا لوزير التربية والتعليم، ثم عمل في المجال الإعلامي، وعُيّن مديرًا لمكتب الإعلام في مدينة تعز، ثم عُيّن وكيلاً لوزارة الإعلام عام 1966م، ثم رئيسًا لمصلحة الإذاعة، ثم وكيلاً لوزارة الإعلام للمرة الثانية، ثم رئيسًا للجنة النشر والتأليف في وزارة الثقافة، وكان آخر عمل رسمي له تعيينه وكيلاً للمجالس المحلية.
وبعد قيام الوحدة اليمنية عام 1990م انتخب رئيسًا لاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، ثم رشح نفسه بصفة مستقلة في الانتخابات النيابية عام 1993م عن إحدى دوائر مدينة إبّ، ففاز، واختير رئيسًا للجنة المستقلّين في مجلس النواب.
عُرف باتجاهه القومي، واشترك في بعض المظاهرات المناصرة لبعض التكتلات القومية، فسجن بسبب ذلك، ووقف إلى جانب الثورة الجمهورية، وشارك في مؤتمرات عديدة لمناصرتها مثل: مؤتمر (عمران)، ومؤتمر (الجند)، ومؤتمر (حرض)، وجعل من خطبته الأسبوعية التي يلقيها على منبر الجامع الكبير بمدينة إبّ محاضرة تنويرية، يعرض فيها العديد من حقائق الإسلام برؤى عصرية، كما شارك في كثير من الفعاليات الشعبية بكلمات سياسية، وعمل وكيلاً لوزارة البلديات لشئون المجالس البلدية وعُرف بصراحته وجرأته، وتناقل الناس بعض شعاراته الثورية مثل قوله: (لاحرمة لثراء غير مشروع).
وقوله: (الناس يئنون) و(أريد دولة يمنية تصون عرضي وتحفظ كرامتي ولأقطع نصفين) ، وقوله(الإسلام دين الحريةوالممساواة والعدالة الإجتماعية). ويتذكر أبناء محافظة إب خطبة الوداع التي ألقاها “غاندي” مدينتهم أمام الرئيس الراحل، علي عبدالله صالح، أثناء زيارته إلى المحافظة عام 1993، والتي خاطب فيها الربادي الرئيس بالقول “الأخ الرئيس إننا نعلق عليك الآمال ببناء الدولة اليمنية الحديثة… ولا نريد أن نكون مزايدين ولا كذابين. لقد مر علينا بناء سد مأرب ومر علينا الوعد باستخراج البترول فخرج البترول… ثم ينقل هموم الناس ويعبر عن معاناتهم”. وخاطب الرئيس بالقول “أنت تعلم أن المظالم سحقت الناس، وأنهم يئنون من الفقر والمظالم والجوع، ومن المؤسف أن هناك من لا يقدر المسؤولية، ونقول لهم السلطة تريد من يشرفها، تريد من يحترمها، إننا نريد من السلطة ما امتن الله به على قريش حيث أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف”. كما شارك بعدد من المؤتمرات والاجتماعات الأدبية والفكرية، وله عدة ندوات ومحاضرات في المدارس والكليات والمعسكرات والنوادي والتجمعات.
كان محبًّا للقراءة والاطلاع، ينزع منزعا صوفيا، مجالسه مجالس علم وأدب، وقد توفي كما أعلن على إثر ذبحة صدرية ألمّت به وذلك في 5 /7 1993 م وشيعته مدينة إب في جنازة مهيبة. وصدر عنه كتاب بعد وفاته بعنوان: (الربادي الشجرة الطيبة) أصدرته كتلة المعارضة في مجلس النواب، والأمانة العامة لاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين.
توفي في العام 1993، ودفن في مدينة إب ورثاه كثير من الأدباء والكتاب والمثقفين ..
غموض وفاته
” يا ربادي، يا أصدق الناس قولاً
وضميراً، وسيرة، ومسارا
أيها الشامخ الأبيّ ستبقى
أبداً ، شامخاً، ولن تتوارى
أيها الشامخ الأصيل، مُحال
أن ينال النسيان يوماً كبارا
لا يموت الرجال إلا وقوفاً
وإباءً، وعــــــــزة، واختيارا “
هكذا ودع المناضل الوطني والأديب الراحل يوسف الشحاري صديقه ورفيق كفاحه .
وواصل مشككاً بقصة وفاته الطبيعية بالقول واصفاً قاتلية :
” وطنيون في (المتاكي) كلاب في التقارير، يقتلون النهارا
وطنيون في (المتاكي) كلاب في الحراسات، لا يصونون عارا
أيها الشامخ الأبيّ ستبقى أبداً شامخاً، ولن تتوارى
أيها الشامخ الأصيل، مُحال أن ينال النسيان يوماً كبارا
لا يموت الرجال إلا وقوفاً وإباءً، وعزة، واختيارا ” .
مع ذلك ورغم وفاته التي لا تزال أسبابها غامضة قبل 26 سنة، إلا أن الربادي لا يزال رائد التغيير الأول في محافظة إب. فالكثير من شباب اليوم الذين لم يعايشوا عصره يطلقون عليه لقب “غاندي إب”، ويرون في نضاله نموذجاً للنضال السلمي ضد الطغاة والمستكبرين. فالربادي كان سلاحه الكلمة وثقافته الواسعه آليته الكفاحية.