- كتب: د. عبدالعزيز علوان
الإهداء إلى مهندس هذه القراءات المهندس عدنان شمسان العريقي
شيء آخر من أغاني العهود
العهود المتبادلة بين الرجل والمرأة ، تحدد الغرض منها ، وتؤخذ في أماكن مختلفة ترتبط ، بالأماكن المتجددة الذكرى ، ومعظمها تكون في الأماكن ، خارج البيت ، حيث تخلو النفس مع النفس ، في فضاء يقبل البوح ، ولا يفشي أسراره ، سوى هذه الاغنية العهد ِ
(طرحت) بهذه الصيغه تتوجه المرأة بعتاب زوجها ، وتتبعه بالأماكن الشاهدة ، على ذلك العهد، فهذه ، تأخذ العهد فوق ساقية ماء( فالماء أساس الحياة ) و تهدف إلى تأكيد أن حب الحبيب سيكون لها آخره ودنيا ، ذكر الآخره أولا دلالة على شدة الارتباط، وتأكيدا لقوة العهد:
طرحت لي عهدك فوق ساقية ماء
وانك حبيبي آخره ودنيا
(الدقامة ) وهي الكتل الحجرية الكبيرة ، والتي يتناوب ظلها حسب اتجاه الشمس ، الصباح ، أو بعد الاصيل ، هذه الكتل الصخرية ، هي الشاهد للحساب يوم القيامة ، وهذا تلميح بنقض العهد:
طرحت لي عهدك تحت الدقامة
شحاسبك ربي يوم القيامه
لون آخر من أغاني يوم الخميس
لأيام الخميس ، ويقصد بها ليال الجمعة طقوسها التي لاتزال حتى اليوم ، إنه يوم التقاء الأحباب ، في غرام استثنائي، وها قد التقى كل بحبيبه ، وبالنسبة لي ، فإن شوقي باق معي ، فلمن ( أجبيه = أعطيه ) إشارة إلى أن المعني به ، غائب:
اليوم خميس كل من معه حبيبه
وانا معي شوقي لمين أجيبه
أن تبقى المرأة في يوم الخميس ِ، وحيدة ( لحالها ) تجعلها ، تلفت أسماع الناس إليها من خلال هذه الأغنية ، بأن قلبها أصابه ( البلاء ) وأن الوصال بزوجها الغائب ( غالي ):
يوم الخميس يا ناس وانا لحالي
القلب مبلي والوصال غالي
تتأوه المرأة على شبابها الضائع ، في الإنتظار ، إضافة لذلك فان (الخل) الكلمة تطلق على الزوج، الذي لا زال غائبا ، ولم يدري بما ( أعانيه ) على لسان المرأة من العذاب:
ليلة خميس غبني على شبابي
والخل غايب ما درى عذابي
أغنيات الظمأ
للظمأ نصيبه من أغاني المرأة اليمنية في ريف تعز ، و قد يكون ضماء ماديا ، قصده الأرتواء من العطش ، وقد يكون ظماء يتوق إلى السقاية من أجل اطفاء عطش اللوعة والفراق ، أو لإشباع حاسه من حواس الانسان الشميه مثلا:
الأغنية الأولى
لا تبحث عن الماء ، الذي يملئ الأدوات الفخارية من جرار وأدواح ، فهذا الماء لا يغنيها وإنما ، تلك النظرة من الأخضر ، هي التي سترد الحياة للروح الظامئة:
ياظمائي والماء جرار وادواح
نظره من الاخضر ترد الأرواح
الأغنية الثانية
إعتاد الرعيان ،أن يشربوا من عيون الماء ، التي تتفجر بعد المطر ، قرب شلالات الجبال ، أو من الآبار ، ويستخدم ( الكرف ) كف اليد ، للإرتواء من الضمأ ، هذا بخصوص الضمأ المادي ، أما الضمأ المعنوي ، فان صاحبه ينتظر للحبيب ، يرد الماء ، لكي يشبع ضمأ حاسه الشم من (عرف الحبيب ) رائحته:
يا ظمائي كل من شرب بكرفه
وانا مراعي للحبيب وعرفه
الأغنية الثالثة
وهذه أيضا تشكو الظمأ والماء ( بكوز ) الخل اناء فخار يحفظ الماء باردا، ومع وجود الماء مع الخل ، فلا ( جسرتُ ) أستطعت طلبه ولا هو ( قلي) ؛ ان أشرب منه صوره من صور الحياء الريفي المتبادل:
ياظمائي والماء بكوز خلي
لاني جسرت اطلب ولاهو قلي..
الأغنية الرابعة
تشكو الظمأ وبأن (الماء نقص بنانه)، وتضيف بأن الماء مع الخضراء ، ويا جنانه لمن يقربه ، دلالة على خطر قد يطرأ عند الاقتراب منه:
ياظمائي والماء نقص بنانة
الماء مع الخضراء وياجنانة
نموذج آخر للشجن
زيادة الشجن للحبيب الغائب ،يجبر إمرأة هذا الغائب
تبوح لأمها قائلة لها من سأل عنه ، فلا طائر يطير حتى أحمله هذا الشجن ، ولم يمر مسافر ، ذاهب إلى حيث يكون الحبيب:
زاد الشجن يا ما ومن اسائل
لا طير طار ولا جزع مسافر
أغراض أخرى
تطلب الأغنية من الراعية، أن ترد الغنم ناحيتها ، للجلوس معها ، ولإخبارها أن ( الحاج علي ) قد طرح مائه ريال ، كخطوبة لأخذها ، ولفظ الحاج يدل على فارق العمرِ :
وا راعية ردي الغنم شاقليك
الحاج علي طرح مائة ششليك
القلب ممتلىء بكل أنواع التضجر و معاناة الفراق ، والشوق وغيرها ، وداخل هذا القلب ( زنينه ) والزنينه هي المطر الخفيف المتواصل ، وسبب أمتلأ القاب بهذه الزنينه ، فلو حدث له أن تِنذى ( أنسكب فيلا فليلا لأغرق المدينة:
قلبي ملان وداخله زنينه
لو ينتذي لا يغرق المدينه
وهذه تقسم لو كان معها جناح فإنها ستتطير ،و( اسكهك يا قلبي ) بمعنى أتركك ياقلبي في راحة بال ، من كل مايشغلك. من التفاسير الظنون والأوهام وغيرها:
اقسم يمين لو لي جناح شاطير
وسكهك ياقلبي التفاسير
والله القسم ، لا أحد سمني أسقاني سم محبته ، وسم وسمسمها لي، غير العيون المشرغات بالدم ويقصد بها لون العين الضارب للحمره ، وهذه ليست للتغزل ولكنها انجذاب لشجاعة صاحبها، فمفردة مشرغة تضاف للون السائد سواء كان هذا اللون أبيض أم غيره ، فالمرأة المشرغة بالبياض هي ذات اللون الأكثر بياض ( حسب مطهر الادإرياني معجم اللغه والتراث ):
والله القسم ما سمني وسمسم
غير العيون المشرغات بالدم
( حبستني ) بحبك كما تحبس الطيور في أعشاشها في الحيود وجزاء هذا الحبس ( لك حبس ربي) وحبس ربي ( بدون سراة وهي الحبل الغليظ أو السلسة التي يقيد فيها المساجين ) ، هو الإصابة بمرض يقعد المريض عن الحركة ولا يستطيع مغادرة المنزل إذا حل به هذا المرض:
حبستني حبس الطيور بالحيد
لك حبس ربي لا سراة ولاقيد
الغلس هي اختلاط الظلام ببقايا الضوء أثناء غروب الشمس، ف ( بالله عليك يابرق ) في هذه اللحظات أن تذهب إلى ( وادي حزن ) فإن زرعه يابسا ( ميبس ):
بالله عليك يابرق يامغلس
الزرع في وادي (حزن ميبس)
سلوك الحمام في العالم يختلف عن جميع الطيور حيث أن الحمام يكون أحادي التزاوج بمعنى ان الذكر يعيش مع أنثى واحدة وكذلك الأنثى لا تتزاوج إلا مع ذكر واحد فقط .. فهذه تصف حب فرخي الحمام بينهم بين ، والذي لا يعجب هذه المودة والحب بين فرخي الحمام( يقرح) ينفجر من الوريدين:
فرخين حمام الحب بينهم بين
ومن قرح يقرح من الوريدين
(قلبي قرح) تستخدم كإشارة لعدم قدره القلب للتحمل أكثر ، (ليته نويد) هو التمني ، تصغير ل(النود)وهي رياح الرخاء عموما ، تذهب الى عند الحبيب ، وتطرح له معاناته:
قلبي قرح ليته نويد تسرح
لا عند داراك ياحبيب وتطرح
أضطرب القلب وزدادت نبضاته ( وحي الحبيب) ماظهر أو بدا منه في الخاطر ، و(خَلٌف ) ترك هذا الوحي القلب وراءه ، وليته وقف ليظهر ( يكشف ) لنا (المُكَلف) المسبب لهذا الهجر :
قلبي رجف وحي الحبيب خلف
ليتك وقف واظهر لنا المُكلف
تقال هذه العبار في بداية البكور، رضاك يا الله مقصدنا وغايتنا ، وهذا هو شيخ الطيور ( نوع من الطيور الصغيرة تعيش في رؤوس الجبال والنخيل ) فهذا الطائر َ قد ترك عشه و بكر للبحث عن رزقه ، وادأنا منتظر للوليد الادأخضر ، قد يكون هذا الانتظار عن وعد سبق تحديده:
يالله رضاك شيخ الطيور بكر
ونا مراعي للوليد الاخضر
وهذه الأغنية مطلع لأغنية الفنان عبدالرحمن الاخفش ولكنه يستبدل( الوليد الأخضر ) ب(الدقيق الأخضر) :
(اخضر سلس ) تطلق مفردة الاخضر على المرأة الممتلئة إخضرارا وجمالا ، وسلس لين سهل الانقياد، ومع هذا فقد تركته بلا نوم وبلا ذهن ، أي غائب الذهن وأيضا بغير نعاس يدل على مجيء النوم:
اخضر سلس خليتني بلا حس
لانوم ولا ذاهن ولا منعس
صنعاء كانت أحد وأهم المناطق الداخلية للهجرة من الريف ، ولا غرابة أن نجد أن يكون القلب في صنعاء ، والرح عندها ، وياليت والحبيب (يبدي) يظهر أو يعود:
القلب في صنعاء والروح عندي
ياليت والله والحبيب يبدي
الجعد الشعر المتغصن على شكل سلوس ، فيا سعد من يشمه والخصر (ينوس) أي يشبه (النواس) البندول في تذبذبه أو في تمايله عند الحركه، وياليت من يضمه أثناء هذه الحركة:
جعدك سلوس ياسعد من يشمه
خصرك ينوس ياليت من يضمه
وهنا نجد التضامن مع المسافرين بالدعاء لهم بأن يتم الله سفرهم ، ويعيدهم إلى بلدهم:
مسافرين الله يتم سفركم
بالعافيه يردكم بلدكم
عتاب آخر تتوجه به الأغنية لمن هجر ،عبر المسافرين الذين تطلب منهم يقولوا له ، لماذا نسي العهد ولم يذكر حبيبه:
مسافرين قولوا لمن هجرني
لمو نسي عهده ولا ذكرني
قبل مايقرب من عشرين عام أصيبت منطقة الشمايتين بما يعرف ( بالحجر ) عدم نزول الامطار ، وبسبب ذلك يبس الزرع وتحول إلى أوراق ( لفالف ) وفي هذا العام سطع نجم أحد السادة في منطقه ( جامعة ) عزلة المساحين يدواي بالشعوذة واشتهر ( بالمياسم ) وكان أغلب زبائنه نساء وهنا صدعت الأغنية بقولها :
هذه السنه قاطيرا لفالف
في جامعه يوسموا المكالف
وفي سياق آخر لهذه المجاعة التي حصلت في غلاء العجور و ما آلت إليه الأوضاع التي أدت إلى بيع الأبقار وتطليق بعض النساء، جاءت الأغنية معبرة عن هذا الوضع:
هذي السنه قا طيرا لفالف
باعوا البقر وطلقوا المكالف