غنــاء: أيوب طارش عبسي
- كتب: د. عبدالعزيز علوان
الحب في قاموس الصوفي هو من أنبل العواطف الإنسانية وأجملها وأعمقها أثراً ، فالحب هو منطلق كل خير وهو الملهم للإنسان والمحرّك له، وهو الذي يعطي الإنسان معنى إنسانيته ، فالإنسان بدون الحب هو صخرة صماء( كما قال ابن أبي ربيعه):
إذا انت لم تعشق ولم تدر مالهوى
فكن حجرا من يابس الصخر جلمدا
أكثر الناس إرتباطا بك ، أكثرهم دراية عنك وعن تفاصيل حياتك ، (اأحبابا ، آلاما ، أنينا ، مسرةََ ، شوقا ، وغيرها)،
حين تعيش معهم وبينهم ؛ مستعذبا في حياتك عذاب وعذوبة الحياة نفسها ، ومستحليا تأوهات فضاءاتها الأليمة، ذاك هو الشاعر ( الفضول ) وهذا هو الفنان ( أيوب طارش )، الذين تناغما في أحاسيسنا ، مشاعرنا ، صباباتنا ، صحونا وأرقنا ،قصيدة وأغنية.
يرتبط الليل إرتباطا وثقيا بالقصيدة /الأغنية ، بالنجوم ومسامراتها التي لا تنتهي، وبهمس النسيم نغما منعشا للروح والبدن ، و هؤلاء الثلاثة هم ( أقرباء القصيدة/ الأغنية ) وهم وحدهم من يدري ( يعرف ) بأنات الشاعر وشوقه الأليم:
الليل والنجم وهمس النسيم
يدري بآناتي وشوقي الأليم
بسبب الارتباط المكاني والنفسي، فإن كل ماحول القصيدة / الأغنية ، عليما بحب الشاعر ، سوى هذا الذي يهيم القلب في حبه ، لا يدرك شيئا ، إنها مفارقة شديدة الوطأة في النفس:
وكل ما حولي بحبي عليم
إلا الذي قلبي بحبه يهيم
(ولى) ذهب ( خلاني ) تركني ، أبات لوحدي ،
في أحضان سهدي ؛ بيد أننا نجد أن أحضان هذا السهد – وإن كان الشاعر أسنده لنفسه – فهو قد ضمنا ، كمستمعين قسرا إلى أرجائه المترامية الأطراف والاتساع ، لنبيت معا في معانقة مساءَِ ، أما في النهار فقد أسندت القصيدة / الأغنية، عيش الشاعر ( وحيدا) بين الناس في طرفي النهار وربما زلفى من الليل .
ولكن القصيدة /الأغنية تجبرنا أن نعيش متلبسين حال ( توحد الشاعر ) وهو يعيش بنيننا ( نحن الناس ) لوحده ، فينا ، وكأنه يعيش عدما بين عالمين متناقضين عالم الناس ، وعالمه هو في وحدته:
ولى وخـــــــلاني لوحــــــــــدي
أبات في أحضان ســـــــهدي
واعـــــــــــــيش بــــــــــــــــــــــين
النــــــــــــــاس و حـــــــــــــــدي
في خضم هذا البحر اللانهائي ، من العيش المتفرد والمنفرد ، في الكآبة ، تهب ( ريح الصَبا) ، تلك الريح الخفيفة ، التي تهب في أول النهار ، منعشة القصيدة/ الأغنية ، ومن ثمة تلتفت إليها مسائلة إياها بالله ( لين ) إلى أي بقعة يصل مسيرك ( فإتجاه حركة هذه الرياح يبدو أنها معلومة ) وإنما غاية وصولها التي تستريح عنده النفس هي المطلوب معرفتها ، ولذا سوف تُحملها ( القصيدة/ الأغنية ) سلامها الكثير (فالسلام الذي تتمناه هو العيش الآمن المستقر) ، ولكن لمن ؟!، إنه ليس للحبيب القريب ، ولكنه للحبيب الذي ولى بوجهه شطر قِبلة ما ،طاويا ، في الهجر أيام عيشها النظير ، معطيا إياها الفراق المرير ، وكأن الشاعر استحضر ، الآية القرانية ( واهجرهم هجرا جميلا) ليجعلنا نحس معه طعم مرارة هذا الفراق:
ريح الصبا بالله لـــين المـــــــسير
شـــاحملك مني الــــــسلام الكثير
لمــن طـــوى أيــام عيـــشي النظـــير
في الـهجـــر وأعــــطاني الفــــراق المرير
مع هذا الفراق المرير ، كنت ( هكذا تقول القصيدة / الأغنية) ، سوف أنسى ( في الحب )، غلب مراراته ، في معايشته ، صباح مساء ، ولكنها المشيئة المسنوده للربوبية ، التي لم تعط قلبي القوة اللازمة للنسيان:
قــد كنت شــــانــــــــســى كل غلبـــي
في الحــــــب لــو قــدكان ربي قوى
على النــسيان قلبــي
فهل. تَرَي – أيتها الريح المنعشة وجداني اللحظي ، بخفتك- ( عاد ) ممكن أن يطيب عيشي ، بعد ، متواليات (الجفا ، الهجر و الحبيب ):
ريح الصبا هل عاد عيـــشي يطيـــب
بعــــــد الجفا والهجـــر بعـــد الحبيـــب
تتداعى الأفكار بين يدي هذا التفاعل المنعش للريح الصَبا ، الذي أنسنته ( القصيدة الأغنية ) وأستأنست به ، لتتذكر ، (بكم ضمنا) وتقصد بكم عدد المرات التي ضمنا فيها صدر الغرام الرحيب ، كفضاء خاص بنا، ولم يكن رقيبا علينا ، سوى من خلق قليبنا :
كـم ضـمنا صــدر الغــرام الرحيــــب
وخــــالق القلبــــين كان الـــرقيــــــــــب
وها هو اليوم نسا ،كل ما كان بيننا ، وأعطى من هذا النسيان أكفان ، للثلاثية التي عشنا حياتنا بها ( الشوق والذكرى والأشجان ):
واليــــوم نــــــسى كــل الـــــذي كــان
وأعطــــــــى مــن النــــــــــسيان أكفـــان
للشوق والذكرى والأشجان
يتوجه خطاب القصيدة / الأغنية لريح الصَبا ، ولكنها لا تدري ماذا تقول لها ، بعد إن أفضت اليها ، ومع عدم الدراية القولية ، تؤكد أنها ستمشي طريق الصبر ، مها يطول ، لتزرع دموعها في ضفاف الغيول، كحب خالد ، لا يطاله النسيان أو الزوال:
ريــح الصبا لا ادري مــــاذا أقــــــول
شــامشــي طـــريق الصـــبر مهــمايطول
وازرع دموعي في ضــــفاف الغيــــــول
ورود حـــــــــب خـالد لايزول
تدخل استحالة النسيان ، عالم كونها الفكري ، الخالد ، والباقي كحياة تضارع الأبد ، في أنها ستعيش في ذكراه ( الحبيب ) عمرها بطول امتداداته ، وأن تنزل مع هذه الذكرى إلى قبرها :
محـــــــال أن ينـــــــــــساه فكــــــــــري
شــــاعيــــش في ذكــــراه عمــــــــري
وانــزل مع ذكــراه قبــري