- كتب: ماجد زايد
فتحت الـ BBC ملفًا مهمًا، بعد حصول اليمني عبدالرزاق قرناح على جائزة نوبل للأداب، البي بي سي وصفته فعلًا بالبريطاني والتنزاني، لكنها ذكرت أصله اليمني وأكدته، ولكن. وبشكل أوضح، لماذا لا يعرفه القراء العرب؟ وأيضًا لماذا لم يتحدث عنه النقاد العرب ولو لمرة واحدة من قبل؟! النقاذ الذين إنصدموا جدًا من وصوله لنوبل دون أن يعرفه أحد، أو كما وصفوا العملية بالخلسة أو من وراء ظهورنا..
هذه النقطة على وجه الخصوص تعكس بؤس النقاد ووضعهم المزري، يحدث هذا في كل مرة يتجاهلون به الكتاب المتميزين من عالمهم وأوطانهم، ليذهبون متملقين للكتاب الأكثر شهرة ورواجًا، ليتقاسمون معهم حالة الثناء والشهرة، ويشاركونهم إمتيازات الوصول والصدارة، هذه حالة من الخداع المعرفي والقيمي يصاب بها غالبية نقاد العالم العربي، في ثنايا الوسط الأدبي والمعرفي..
بحسب البي بي سي، هناك عدة أسباب أفرز هذا الوضع المتعنق كثيرًا في الجانب العربي، أهمها يحدث حين ينتظر النقاد والصحفيون الثقافيون العرب أن تسلط الأضواء على الكاتب لسبب ما، حصوله على جائزة عربية أو دولية، ثم يتسابقون، للكتابة عن نتاجه الذي أهملوه لسنوات قبل حصوله على الجائزة. هذا يتعلق بالانتشار ولا علاقة له بالتميز. وهذا ما يجعل نتائج الكتاب العرب بغير العربية أكثر تميزا إذن؟!
بالنسبة لعبدالرزاق قرناح لم تكن لغة الكتابة خيارًا ذاتيًا بل راجعا لظروفه الموضوعية -هو لا يتحدث العربية بشكل يمكنه من الكتابة بها- لكن الكاتب المغربي الطاهر بن جلون الحاصل على جائزة “غونكور” الفرنسية الرفيعة وجائزة “دبلن” وجوائز أدبية أوروبية أخرى، يقول إن “اللغة العربية عاجزة عن استيعاب الحرية التي توجد في لغات أخرى”. وبسبب هذا حدثت صدمة لابن بلده الكاتب والناقد المغربي محمد برادة الذي كتب في مقال نشره موقع Arab World Books “لم أصدق أذني وأنا استمع إلى الطاهر بن جلون يتحدث في برنامج تلفزيوني عن أن اللغة العربية لا تساعد على التعبير الصريح الكاشف لأنها تعتبر مقدسة بوصفها لغة القرآن”.
يكتب برادة “لم أصدق أذني لأن بن جلون ألغى بجرة لسان كل الجهود الإبداعية التي بذلها شعراء وروائيون وقاصون ومسرحيون عرب طوال القرن العشرين من أجل توسيع نطاق العربية وتطويعها للتعبير عن مختلف التجارب والظاهرات، واستقبال ترجمات لنصوص علمية وفلسفية وسوسيولوجية وأدبية من مختلف اللغات”. ويعتقد برادة أن رأي بن جلون ينطوي على “مغالطات” وأنه “يستسهل الحديث عن الأدب العربي المعاصر الذي لا يقرأه ولا يتابع إنتاجاته”، حسب ما يرى برادة.
في الحقيقة يدعم الواقع العربي وجهة نظر بن جلون أكثر من رأي برادة، فالمبدع العربي محاصر على أكثر من مستوى، وأما للغة التي تعد وسيلته للتعبير، فإن حصاره بها هو الأشد إيلاما: حصار أخلاقي، سياسي، ديني.
لقد حكم على الكاتب المصري أحمد ناجي بالسجن سنتين بتهمة “خدش الحياء العام”، كما تعرض الكاتب الفلسطيني عباد يحيي لحملة شعبية ولوحق كتابه “جريمة في رام الله” بسبب التهمة نفسها.
و”الحياء العام” ليس السيف الوحيد المسلط على لغة الكاتب العربي، هناك سيوف “أخلاقية” و”سياسية” أخرى، حيث يحاكم نتاج الكاتب بدلالة غير إبداعية، كمدى تماهي لغته وسلوك شخصياته مع الثقافة الأخلاقية/السياسية السائدة.
ويواجه نتاج الكاتب أيضا بمحاكمة سياسية صارمة لمحتواه، فيحكم عليه بدلالات لا علاقة لها بقيمته الأدبية. طبعا لا يواجه من يكتب بلغة أوروبية تضييقات كهذه، فيتيح هذا للكاتب هامشا أوسع للتحليق الحر.
بالنسبة للروائيين الذين يكتبون بالعربية تتباين مواقفهم من الموضوع. الكاتبة العراقية، إنعام كجه جي، تقول إن مجيئها من العمل الصحفي قبل عقود جعلها تتعود على أن تكون بمنأى عما تروي من أحداث. مع ذلك فهي ضد الحياد الكامل وتعتبره سلبيا، فهي تحب أن تكون الوقائع التي ترويها مشحونة بحرارة الإحساس، إحساس الشخصية لا الكاتب.
وتضيف أنها، ولأن رواياتها تتناول وقائع وشخصيات عراقية فإنها تلتزم الحياد في حكمها على قناعات الأبطال، سواء كانت سياسية أو دينية، مع حرصها على تثبيت روح التسامح التي كانت سائدة بين العراقيين. وتتساءل: هل أستطيع ضبط نفسي فلا أتعاطف مع هذا أكثر من ذاك أو ضده ؟
الروائي السوداني، أمير تاج السر، يقول إن الموضوع صعب، لكنه يكتب المقالة الصحفية والرواية بالروح نفسها، مع أنه يجد الموضوع صعبا. يصور القضايا والممارسات بما لها وما عليها ويترك للقارئ الحكم. يقول إنه لا يفعل ذلك بتخطيط صارم، بل يحدث بشكل عفوي. هو يعتبر المقال مقطعا روائيا.
أما الروائي الفلسطيني، ربعي المدهون، فيعزل نفسه عن مواقفه السياسية أثناء الكتابة وينطلق من منطلقات إنسانية، وبصور كافة الملامح المتاحة للشخصيات، إنسانية وغير إنسانية.
يقول إن هذا كثيرا ما يضعه في إشكالية مع القراء والنقاد لأنهم يميلون للربط بين الكاتب وشخصياته الخيالية، ويتوقعون منه أن يصور الشخصيات التي يميلون إليها بشكل إيجابي ونقيضها بشكل سلبي، بينما هو يحاول الانفصام عن الأيديولوجية في تصويره لشخصياته.
يقول إن هناك إشكالية مع المتلقي العربي الذي يتوقع من الكاتب أن يصور الشخصية العربية بشكل إيجابي محض ونقيضها بشكل سلبي تماما. أما الكاتب الفلسطيني، أكرم مسلم، فيقول إن “الكاتب غير محايد” ولا يرى في الانحياز “ورطة” دائما، بل على العكس، كثيرا ما يكون الحياد هو المصيدة، برأي أكرم.
ويرى أكرم أن الحياد (العاطفي والسياسي) ليس شرطا جماليا. ولا الفردية الكتابية ولا نقيضها (غنائية القطيع) شرط جمالي. يقول إن المهم كيف يقدم الانحياز على أنه “انحياز جمالي” فلا يتكئ على أخلاقيته وكيف ينقل “تورطه المشاعري” ليصبح مقنعا لقارئ لا يشاركه المشاعر ذاتها.
أكرم يرى أن مهمة الفن تفكيك علاقات القوة غير العادلة بين البنت الجامعية المتوترة على الحاجز والجندي المسلح الواقف بينها وبين جامعتها. لا يدور الحديث هنا عن شخصيتين في سياق حيادي، فهناك بندقية بينهما تصنع الفرق، يجب انتزاعها أولا، ومن ثم يمكن الحديث عن تناول محايد، كما يرى أكرم.
- الصورة المرفقة لكل من الفائز بنوبل للأدب 2021 عبدالرزاق قرناح، والروائي المغربي الطاهر بن جلون. والروائية العراقية إنعام كجه جي، والروائي السوداني أمير تاج السر، والروائي الفلسطيني ربعي المدهون، والروائي الفلسطيني أكرم مسلم..