- كتب: د. عبدالعزيز علوان
الإهداء إلى مهندس هذه القراءات المهندس عدنان شمسان العريقي
أغاني المكاشفات
الطبل (بريد الأمس) هو الشخص الذي يوصل الرسائل والأخبار للمغتربين ، ويعيد جوابها ، محملة بأخبارهم .
قد تكون من بين هذه الأخبار ، وشايات قَصد الإضرار ، بالتي تُوجه إليها هذه الوشاية من النساء . وقد تكون لهذه الأخبار التي يحملها الطبل أغراض أخرى ..
الأغنية الأولى: ( الوشاية)
تُحمل الطبل الأمانة ، ليقل للغائب ، بأن بني عمه غزو محله ، أي أخذوا أملاكه ، قد تكون الأرض في المعنى المباشر ، أما إذا أخذ المدلول الرمزي لهذه الأغنية ، فإن هذه الأغنية تبدو واضحة الوشاية:
أمانتك ياذا الطبل تقله
قل له بني عمك غزوا محله
أما الأغنية الثانية:
فإنها تُحمل الطبل أمانة أن يقل للحبيب بأن (يرُد) يرجع إليها وهي ستظلله بجناحها ، اي سترعاه وتعيش معه:
أمانتك ياذا الطبل تقله
قل له يرد بالجنح أني شظله
وثالثة هذه الأغاني :
تُحمل الطبل أمانة اخرى بأن يخبر زوجها عما حل بها من متاعب البعد ، وآهات الشوق . اضافة لمتاعب الحياة:
أمانتك ياذا الطبل تقله
وخبره بما جرى لخله..
مكاشفات التغزل بالصدر :
لا يقصدبها الدعوة إلى التعري ، ولكنها الدعوة إلى المكاشفة بما يجول في الصدر ، (باعتبار الصدور مخازن الاسرار) بمعنى البوح بآيات الهوى، و الدخول في معرفة تفاصيل ما يستوطن الصدر من أسرار الشوق واللهفة وما إلى ذلك ، وتأتي مفردة (فتحت لك صدري) تخصيص للمخاطب متبوعة باسلوب الاغراء ،لتؤكد معنى المكاشفة وليس التعري.
تأتي المكاشفه الأولى :
وأن كانت صريحة التغزل ، بالصدر بأنه ذهب ، وهو كناية عن الملبوسات الذهبية ، تشير (أكعاب) مفردها كعب وهو النهد الصغير النافر ، في أول ظهوره في الصدر عند الفتيات ولذا شَبه (بالمليم نوع من الحلويات ) ، أسلوب الإغراء سُعد ( من السعادة) التي يناله الشخص الذي يُفك الزرار. من أجله ويخيم فيه ، دليل على العلاقات الحميمة:
صدرك ذهب واكعابك المليم
يا سعد من فك الزرار وخيم
المكاشفة الثانية :
فتحة الصدر القادمة ، هدفها معاينة ما فيه، (الأماني والهموم المستقبلية) وإذا لم تنل هذه المكاشفة ، الموافقة فقد تم الحذر وتبين الأمر :
فتحت لك صدري تدخل تعين
إن اعجبك وإﻻ الحذر تبين
المكاشفة الثالثة :
الغرض من فتحة الصدر هو ، الرؤية القلبية. لتفاصيل ما به من الأشواق، والود، من أجل قراءة (شرف ياسين) حرزا ، أو تبركا للحب القادم ؛ تطلق مفردة شرف ، لما يتيسر قراءته من القرآن ويتم تحديده ب (جزء أو أقل أو سورة) ، وهنا أشترط أن تكون القراءة بعدد حروف السورة:
فتحت لك صدري تدخل تشوفه
تقرأ شرف ياسين عدد حروفه
وكذا تأتي فتحة الصدر لتعبر عن هناء المعيشة ، وفي حال عدم الرضاء ، فخيار الطريق مفتوحا أمامك ( تُرَوح ) ترجع من حيث أتيت.
فتحت لك صدري طبق ملوح
ان اعجبك والا الطريق تروح
تلك هي أغراض فتح الصدر من جهة المرأة ، أما المكاشفة من جهة الرجل فتتخذ منحى آخر اقرب إلى الكشف الجزئي عن عوالم الصدر ، وجماله، ولكنه لا يخرج عن الذوق العام.
تبدأ أغنية المرأة بفعل ماضي فتحت لك ، بينما أغنية الرجل تبدأ بفعل الأمر (فك الزرار) بمعنى إفتح ، ليس الصدر كله وإنما الزرار ، للنظر في صنيعة الله ، فقد جنن (حلاك ) جمالك أمة الله ، يتحدد الهدف بالنظر من البعيد:
فك الزرار شنظر صنيعة الله
يا اللي حلاك جنن بأمة الله
أو تلك التي تريد من فتح الزرار ، سؤال النهود التي تشبه الليم ، وعن الفترة الزمنية ، التي حرمت من حلاها ، والغرض واضح هو السؤال:
فك الزرار شسأل نهودك الليم
كم قد لهم من الحلا محاريم
تُستحلف المرأة ، بسورة المرسلات ، وبأول الأحرف الابجدية (أبجد) أن تفك بين الكعوب مرقد ، مكانا للنوم بينهما دلالة عن حميمية العلاقة:
وانا اسألِك بالمرسلات وابجد
تفكلي بين الكعوب مرقد
وهذه تطالب بفك الزرار ، فإن تحتها عجبه (من العجب أو الدهشة) لأن تحتها اثنين كعوب (رتبه):
فك الزرار تحت الزرار عجبه
تحت الزرار اثنين كعوب رتبه
مكاشفات تبادل التهم وعدم استمرارية المعاشرة
قد يذهب البعض من خلال متابعة القراءات السابقة، بأنها محصورة في معاناة المرأة من جهة ، الغربة والحنين، والشوق، وكل ماسبق التطرق إليه ، بيد أن للاغاني الشعبية ، أغراض متعددة بتعدد أغراض الحياة ، وأغراض التهم الموجهة ، من أحد طرفي الحياة الدنيا (الزوج او زوجته) كل منهما إلى الآخر.
وتعبتر هذه الحال ، أحد موجبات الحياة ، والتصريح بعدم استمرار حياتهما معا ، لا يعني نهاية الحياة وانما بداية لحياة جديدة.
الإعتداء على الملكية
(كنت أحَدَك) أعتبرك ، ملكي ونبات حولي ، وأنا من يقوم بكل الأعمال اللازمة التي تجعل محصولة خاص بي ، وليس لغيري، والدلالة الرمزية واضحة:
كنت أحّدك ملكي وزرع حولي
أتلم واحوِّض والصريب لغيري
(كنت أحسبك) أتوقع أنك مالي (يطلق المال في بعض المناطق على الأرض) وأيضا ذهب (منقوش) ، باشكال مميزة ، واليوم أصحبتَ ، كتلك الجربة (قطعة طينبة خصبة) غير محميه من مر عليها انتزع منها الجهيش ، دلالة على العلاقات مع الغير:
كنت احسبك مالي ذهب مُنَقش
واليوم جربه من جزع يُجهش
أيضا كنت أحسبك ، مالي ، وكل ما عليا من الالتزامات ، ولكنهم اليوم (ياخلي) أي الحساد والوشاة (عيبوك عليا):
كنت احسبك مالي وما عليا
واليوم يا خلي عيبوك عليا
إظهار العيوب
وتأتي المواجهة في أغنية إخرى ، لتواجه الخل (الزوج) بأنه كان يعتبر لها ، مالا وقروشا محفوظه بالجيب ، واليوم (ياخلي) أنت أظهرت بي العيب ، والعيب هو مايسوء من طبع أو سلوك الانسان:
كنت احسبك مالي قروش بالجيب
واليوم ياخلي اظهرت بي العيب
نهاية الحب
مكاشفة صريحة ، ( ساخرة ) المقصود منها إنهاء علاقة الحب التي كانت ، وأن البديل قادم لا محالة ، أمام النظر والعلم (تشوف وتعلم):
حبيبي ما نش حبيبك افهم
شندي بديلك وانت تشوف وتعلم
وأيضا لست حبيبك ، ولست من نصيبك:
حبيبي ما عادنش حبيبك
لا عادنا بختك ولا نصيبك
من التهم الكبيرة
قد تصل التهم الموجهة من (الزوج لزوجته) إلى ، إيراد أحدهما جهنم ، بسبب استحالة عدم اثباتها دنيويا . ويكون جهنم هو اللقاء المرتقب للمخطئ ويبدو واضحا من حرقة الخطاب الموجه للزوج:
اتهمتني تهمه وربي يعلم
بيني وبينك .. واللقاءجهنم
فسخ الخطوبة
ولذاك الذي يفسخ خطوبته ، نصيبا من الأغاني الشعبية فهذي واحدة منها ، تبدأ (يا الله رضاك) المنعم علينا في صباحنا بالطل الذي يتبعه طل (قطرات الندى) ، و من ثمة تتوجه الأغنية بلعن (أبو) من جاء خاطبا ، ثم بطل ( فسخ ):
يالله رضاك والطل يتبعه طل
يلعن ابو من جا خطب وبطل
يتبع …