- كتب: د. عبدالعزيز علوان
الاهداء : إلى مهندس هذه القراءات المهندس عدنان شمسان العريقي
(الجاح) جبل في منطقه حيفان ، (دقم الشرف صخرة جبلية مشرفة من ارتفاع شاهق ) قد يكون في منطقة أخرى ، أعلى من هذا الجبل ، مقارنة بالعلو ، كمثل تلك المقارنة بين جبل (سمدان ) في دبع ، وجبل ( يُمين ) في العزاعز في هذا المهجل:
سمدان علا ع يمين الليل .
من هذا العلو تسأل الأغنية؛ عن مكان تواجد الحبيب ، لتنظره وسوف ترتاح من هذه النظرة :
دقم الشرف يا معتلى على الجاح
اينو حبيبي شنظره وشرتاح
شوكه جبل في حيفان ، و (عُذُور ) مفردة عذر ، وهو ظل الجبل الذي يتكون من حجب ضوء الشمس وقت انحدارها ، نحو المغيب ، ودائما يرتبط لفظ العِذر بالجبال ، أما ظل الانسان فيسمى ( ظل أو عومه ) ، (دنوا) اقتربوا من المدينة ،مما يدل على أن الشمس أو شكت على المغيب ، والمغيب مرتبط بالعودة إلى البيوت ، وبسبب (الطبينة ) الضره ، الزوجة الثانية ، الذي سيذهب اليها الزوج ، فإن زوجته الأولى تتمنى أن تملئ عينها شوك السنف ( نبات شوكي ضغير وحاد ، تأكله الجِمال ) أن يكون هذا الشوك في عينها ، ولا ترى تلك الطبينة:
دنو عذور شوكه على المدينه
شوك السنف بالعين ولا الطبينه
وقد ورد ذكر ( شوكة) في أوبريت سعيد الشيباني و فرسان خليفه ( ريح الشروق):
لو المطر من فوق ( شوكه ) شنه
اسقا( ذوئاب ) حول ( عدن ) جنه
العَمَرة ( بناء دار للسكن ) لا تكون إلا على أرض منبسطة، ولذا فإن الأغنية ، تعمر دار في قليبها ( تصغير قلب ) ، وتتمنى أن يكون حالي القامة من ( الشباب ) نصيبها ( زوجها ):
شعمر بحبك دار في قليبي
وحالي القامه ليتك.نصيبي
ليت للتمنى ، أن المسافة بين الأحبة ، الحبيب وحبيبته ( الزوج وزجته ) تقرب أي يتقاصر بعدها ،لتُعَرف هذه الأغنية حبيبها ، كيفية يكون الحنين ( شَوْق، تَوق وصَبْوة ، وأيضا اشتياق حزين ، وأسف ممزوج بالكآبه) وإلى جانب هذا الحنين سوف أعلمك كيفية الحب :
ليت المسافة وا حبيب تقرب
شعرفك كيف الحنين والحب
قد ينسكب المطر أو تذرف السحاب دموعها ، في جو صاف ، غير ملبد بالغيوم ، ولا أحد من الأطباء غير حبيبها ، ( زوجها ) الذي يعرف ، ما تتمناه المرأة في صفاء الجو:
الجو صافي والسحاب تذرف
مافيش طبيب غير الحبيب يعرف
المدن هي المعضلة الكبرى ، التي تشكل هما مترام الأطراف ، لا يقر له قرار، تعانيه المرأة ، وبالتالي فهي ترفض الفلوس ، وتطلب من حبيبها ( يُروح ) يعود للبلاد ( يطلق لفظ البلاد في المدن على ( القرية ) مثل روح البلاد أو سافر من البلاد، هذه العودة من أجل تشوف هذا الحبيب ، دون الافصاح عن شيء آخر:
شاقي المدن مشيتيش ولا فلوسك
اشتوك تروح للبلاد ششوفك
(حنين الرعود) هيجان صوتها عندما تنفجر ،هذا الصوت الذي يسمع من مسافات متباعدة بسبب شدته ، يجعل المرأة ، تصرح بأن حبيبها مفقود ، وتتمنى لو يعود فإنها ستفدي عيونه السود ( شديدة السواد ) ، وقد كثر التغني بذوات العيون السود في الأغاني اليمنية:
حنت رعود معي حبيب مفقود
ليته يعود شفدي غيونه السود
أو تلك التي تقول:
يالله رضاك والخل بعيد مفقود
ليته يعود شعطيه عيوني السوود
يبدو هنا فعل الأمر واضحا بتطفية الشموع ، والاكتفاء بنص شمعه ، فالحب لواحد فقط وليس لكم جميعا ، فضوء الشموع يدل على تواجد الكثير ، والحبيب واحد:
طفوا الشموع شسمر بنص شمعه
الحب لواحد مش لكم جَمعه
النهد ( ج.نهده )هي تلك الآهات المكبوتة المتكرره ، اللاتي تبات المرأة مشغولة بعدهن ، ليالي ، والليل هو أكثر الأوقات للتذكر ، و تتابع الآهات ، ومع هذ العد لتلك النهد ، تدعو المرأة بأن يصيب من فَرَق عنها حبيبها بهذا الجذام ( مرض كان منتشرا قبل فترة زمنيه ولا تزال آثاره ، كان يوضع المصاب فيه في مكان خاص بعيدا عن السكن ، يُحجر( يمنع ) عليه الزيارة وغيرها، وخبث هذا المرض يدل على شدة معاناة الفراق والتوجع:
كم يا نُهد واعدهن ليالي
له الجذام من فَرِق حلالي
النهدة هنا ، هي التي تشرد ( تنطلق بعيدا ) من جوفها ، بدون تحكم ، هذه النهدة ، تطلع من الجوف ، تأوها بسبب عديم الحياء ( العودة ) ولا خوف ( من المصير ) الذي قد يترتب على غيابه:
وا نهدتي وشارده من الجوف
على الذي لا به حياء ولا خوف
نجم الزحل كما تقول الأغنية أو بالاصح ( كوكب زحل ) هذا النجم اللامع كما تقول الأغنية ، يرحل بإتجاه الغروب. ، و ( يانا ) تسخدم للترحم والاستعطاف ، على المحب الذي نحل ( ضعف )جسمه:
نجم الزُّحل على الغروب يرحل
يانا على من كان مُحب يِنْحل
المعرفة بالنجوم كانت مرتبطة بالمعالم الزراعية ، وقد بدأت
في التلاشي منذ سنوات ، بعد أن أهملت الزراعة، وقيل في بعض التفاسير أن زحل هو النجم ” الذي يخرق السماوات السبع وينفذ فيها فيرى منها وسمي طارقًا، لأنه يطرق ليلً.
الجنة ، مبتغى ومرتقى كل نفس بشرية ، وأن تدعو على آخر بحرمانه من الجنة ، هو الأقسى من نوعها ، فهولأء الذين يباعدوا الحبيب من نظر عيونه اشارة إلى أن الحبيب هنا يكون قريبا جدا ؛ بل أحد مكونات العين ( نظر عيوني ) :
احرمهم الجنه ذي احرموني
وباعدوني من نظر عيون
التهم الذي توجه ، لأشخاص ( رجلا أو إمرأة ) بدون تحري الدقة ، تجعل من الشخص المشار إليه بتلك التهم ، يتحدى الواقع الاجتماعي قولا .. يقسم بالله ، ويؤكد قوله ب ( لا اسرحلي ) بالذهاب عنوة بعد الأخضر ، ( الفتى الممتلئ حيوية وجمالا ) ، راضيا بالتهمه التي طالته وكثرة الاخبار حولها :
والله لا اسرحلي بعدك والاخضر..
قاني على التهمة وكثر الأخبار
(قلبي اكترب ) ، ضاق به الحال ، ولم يعد في وسعه تحمل الكثير ، و(ما السبب) . تساؤل للفت النظر ، وتأتي الإجابة لتشكل ثنائية لهذا الكرب ، تعود إلى (همة) هموم الدنيا ، وبعد الأحباب :
قلبي اكترب ما السبب يا رب ..
من همة الدنيا وبعد الأحباب
النخلة طويلة بطبيعتها ، وقد تشبه بها المرأة ذات الطول ، كما شبه (نزار قباني زوجته بلقيس) ، وطالما إن هذه النخلة عاليه ، فيشاهد بلحها عاليا أيضا ، و كمتلازمة لطول النخلة وبلحها ، فإن هذا الحبيب ، يصلي كل الفروض ( قد تكون العباده أو غيرها من الفروض الأخرى ):
نخلة طويل وبلحه معلي
واذا الحبيب ” كل الفروض يصلي
من بعد الظهر باتجاه المغيب تبدأ العذور في قطع مساحات ظلالها ، وقد يستخدم البعض العذور للدلالة على الوقت ، ولكن هذه الأغنية لا تدري ما الوقت ، هل هو (عُصَير ) تصغير لوقت العصر ، أو أن هذا الوقت هو ساعة قدوم القات ،( كان القات يُجلب من مناطق بعيدة ويصل إلى القرى بعد العصر ):
دنوا العذور ولا دريتوا ما الوقت
إنه عصير وإنه مراوح القات
التوكل على الله يكون في السعي طلبا للرزق ،غير أن توكيل الله هنا الغرض منه ، إحقاق الحق ممن ظلمه ، هذ التوكيل لله ، والذي تكرر مرتين وأكدته الثالثة ، وتكرر بالتضرع بأسلوب النداء ( يارب ) يدل على أن هذه الأغنية ( المرأة ) عانت كثير من هذا الفضولي الذي يتدخل في كل صغيرة وكبيرة من شؤونها:
شاوكلك يارب وانت وكيل..
شاوكلك يا رب على الفضولي
الاعتراف ، بتقادم العمر ، لهذا الدهر في أبدية ديمومته، بأن زمن الأغنية ( رجلا كان أو إمرأة ) قد ( زلج ) انتهى ، وكما تمنى جميل بثينة عودة أيام الصِبا ، وأحمد شوقي أيام الشباب ، فهذه الأغنية تتمنى أن يكون لها شباب و طفولة ثانية:
شيَّبت وا دهري زلج زماني
يا ليت لي شِبَّه وزُغْر ثاني
مناداة النجم الذي يسطع ليلا على ( المصلى ) منطقة في الأحكوم كانت محل انتظار للمسافرين إلى عدن ، مصحوبة بالشكوى ، فقد شكى ( سعيد الشيباني ) لها بان كل واحد معه ( حبيبه ) وأن نصيب ( حبيبه ) بين يدي الله في قدرته تعالى.
أما هذه الأغنية، فطلبت من هذا النجم أن يخبر ( يقل لحبيبها بأن (عميرها) تصغير لعمرها القصير بأنه ، ولى ذهب إلى غير رجعة:
يانجم ياسامر فوق المصلَّى
قُلْ للحبيب وَلَّى العُميْر وَلَّى
الشركسي و الشركسية، كلاهما ، يدلان على الجمال للرجل والمرأه ، أرجع البعض استخدام هذه المفردة ، في الأغنية اليمنية كمفردة وافدة مع الغزو التركي لليمن ( أروى عثمان )، بينما أرجعه مؤلف كتاب ( سلالة قحطان محمد سعيد الأصبحي ) إلى استدعاء الماضي الذي كان اليمني وهو في عز رخائه يشتري الجواري الشركسيات ، ويوكد الأصبحي أن لفظ الشركسي والشركسية ، أستخدم للتغني في الجمال .. وقد أورد هذه الأغاني التي تتغنى بالشركسي:
الشركسي رأس الجبل علاله
نصله قديمي او لهيب ذباله
فالعلاله شجرة جميلة المنظر ،تنبت على شكل ريشة قوادم الحمام ، يرصعها بياض الفجر بالندى ….فإذا برزت الشمس يخالها الناظر ذبالة ملتهبة أو لمعان النصل القديمي ( الخنجر ):
يا شركسي يا خيره الشراكس
يا قات يا مثنى بين البراكس
المثنى هو الغصن الدي ينبت القات في أعلاه ، بعد إن تجرد جسمه ،البراكس جمع بركس وهو غصن معشوشب … يسمى الملتمس، والنصل القديمي ولهيب الذبالة دلالة على البياض..
- كل ماجاء بين القوسين.. رغم طوله مأخوذ من كتاب سلالة قحطان للمؤلف محمد سعيد الأصبحي.. ليكتمل به معنى الشركسي ..
(فوق الجبل علاله … ربما يكون المقصود هنا بأن ، هو ارتفاع الشركسي فوق الجبل ، وكأن بياض بشرته تشبه بياض النصل أو توهج الذباله) وليس كما قصد الكاتب الأصبحي .