- كتب: د. عبدالعزيز علوان
الإهداء : إلى مهندس هذه القراءات المهندس عدنان شمسان العريقي
كوصف لحالة المرأة ، في الريف اليمني ، قبل أن تدخل إليه، بعض المميزات المدنية، فيما يتعلق بحياتها المعيشة ، نجد ان هذا الوصف كمثله . في معظم أغاني المرأة في الريف ، يرتكز حول الذات ومعاناتها ، فها هي الأغنية، تصف حالة من هذه الحالات ، بأنها مُشَجوِره ( التي تجمع الحطب من الشجر ) من أماكن متباعدة ، الجبل والأشعاب ( ج. شعبه ) وهي ما يعرف بالمدرجات ، ولأن هذه الاعمال دائما تلازمها ، فقد جعلت من العطيف ( الفأس ) زوجا لها ، إلى جانب الشريم ( أداة الحشيش والحصاد أو ما يسمى بالمنجل ) والأجاب ( ج. أجب ) وعاء يصنع من سعف النخيل لوضع الحشائش فيه ويستخدم في تجميع المحاصيل الزراعية:
مُشَجوِره من الجبل والاشعاب
زوجي العطيف والشريم والاجاب
كإحتجاج لما ، وصل إليه ، حال ، بعض نساء القرى ، بعد أن يتزوجن ، ويهجرهن أزواجهن ، بعد سفرهم ، يعشن على كفاف الحال ، يقمن في بيت أزواجهن ، بتربية الابن ( مبننه ) ومنظفة للبيت ( مكنسه ) وجالبة للماء من البئر .( سآب ) ، تفضل هذه الأغنية أن تعيش لحالها في بيت ادأبيها تجلب الأحطاب، رافضة الزواج ، تحت ظروف الهجر:
شاعيش لي يامه لحالي حطاب
ولا مبننه مكنسه وسآب
اللتح ( الكلف ؛ في بعض المناطق يسمى البسل ) لونه أسود غامق ، يتجمع في بقع على الوجه من كثرة البقاء في الشمس ، وربما يعكس الحاله النفسية السيئة للمرأة ، تطالب هذه الأغنية، الآخر بصفة الجمع شوفوا ، كيف آل وجهها إلى سواد ؛ بعد إن كانت بضاعة نافق أي ( مرغوب الزواج بها) ، وربما لهذه التسمية علاقة ، بما كان ينظر للمرأة ، ولا زالت هذه النظرة، متواجدة لدى البعض ، بأن يطلق على المرأة بضاعة:
شوفوا اللتح على الخدود غامق
من بعد ما كنت بضاعه نافق
الملازمة للفراش ، من العلامات المشيرة للمرض ، لكن الأغنية هنا ، توضح سببا آخر لملازمة الفراش ؛ وهي أنها محب ، وفاقد لحبيبها ( زوجها ):
قالو مريض فوق الفراش راقد
ما نيش مريض الاٌَ محب فاقد
الطبينة ( الضرة) وأن يعيش الزوج مع أخرى لون آخر ، أخذ من الأغنية مأخذه ، فإذا تبدأ مرارة القهوة ، أثناء سكبها ، حين تعلم الزوجة، أن حبيبها سوف يخطب أخرى:
يا مرة القهوه وعادني اسكب
يوم علمت ان الحبيب شخطب
تستمر مرارة القهوة، حتى لو كان البُن المعمولة منه محوج ( بالزر ، والهيل) عندما يقولوا لها أن الحبيب تزوج ، وادأكثر الزيجات الثانية تكون إما في الخفاء ، أو في المدينة ، ويتم تناقل أخبار هذا الزواج:
يا مرة القهوه والبن محوج
يوم قالوا ان الحبيب تزوج
زوج الطبن ( ج. طبينة ) أكثر من زوجه ، من كثر ما يتحدثون عنه في كل ديوان ( مكان المقيل ) ، وكأن هذا الحديث الذي يخييل للمرأة، أنه عبارة عن لعنات موجهة إلى هذا المشار إليه (زوج الطبن ) ، وفي المساء يحلف لكل واحدة من زوجاته ( عهود وايمان):
زوج الطبن ملعون بكل ديوان
وقت الرقود يحلف عهود وأيمان
إلى أبعد من ذلك بـ ( ليت ) التمني تذهب الأغنية بتمنيها بأن يُقتل هذا الزوج . وتأكله الطير ، ولا يعيش أمام (زوجته الأولى) مع غيرها :
ليت الحبيب يقتل وتأكله الطير
ولا قبال عيني يعيش مع الغير
تتعاطف الأغنية أو أنها تصف حالة زوج الإثنتين بأنه ( مبلي ) من البلاء ، الذي إذا أستوطن قلب انسان ، جعل بياض نهاره، قلق . وسواد لياليه مرتعا للكأبة، ولهذا السبب يغزو رأسه الشيب مبكرا ، وعميره تصغير للعمر ، مولي ( يذهب سريعا ):
مزوج الثنين حاله مبلي
الرأس شيب والعمير مولي
السفر والعودة ؛ إلى السفر مرة أخرى ، لا يدوم طويلا ، وكأن هذه المدة ، عباره عن ليلة يقضيها المسافر العائد من السفر ؛ مع زوجته ، وكأن ظنه ، ( بفرحتها بما حمل إليها ، من الثياب ) جاء مخيبا لظنونه ، فهو لم يؤت ثماره . فعودة الزوج يوم الخميس و ( يسرح) يذهب يوم الجمعة ، كناية عن قصر المدة ،حيث وأن القرى قديما لا يعرفن السفر يوم الجمعه ، وإنما كان أغلب السفر يتم يوم الاثنين :
رَوًَح لي الزنه يحسبني شفرح
يوم الخميس روح والجمعة شسرح
محبة الله ، المقصود بها المحبة ، التي أنعم الله بها للناس كافة، وهذه هي المحبة الغالبة ، للمرء ، أما المحبة المصطنعة، بأوراق المشعوذين ، فتلك هي التي تجلب العذاب:
يامسلمين محبة الله تغلب
محبة الاوراق اللي تعذب
العيد ، ملتقى المحبة، والأحباب معا ، وهو اليوم التي كانت تزهو بها ، معظم النساء ، اللواتي ، يعود أزواجهن إليهن ، وأما ، الذين لا يعودون لأي سبب كان ، تصدح الأغنية بقدوم العيد ، وبحزبته ( لبس الجديد ) .. الا هي التي التزمت قيد زوجها ( الاخضري ) :
العيد وصل كل من حزب وعيد
واني بحبس الاخضري مقيد
الأخلاق الحسنة ، أهم الصفات التي تودها المرأة في زوجها ، ولذا نجدها تغامر بنفسها بعدم ترك ( حَسِين
الاخلاق ) حتى لو كان الثمن أن يعلقوا ؛ لحمها بكل ( معلاق ) ، كما تعلق اللحوم في عيد الأضاحي وهي عادة كانت ولا زالت مستخدمة في الأرياف:
والله القسم ماترك حَسِين الاخلاق
لو يعملوا لحمي بكل معلاق
التوبة المطلوبة ، هنا ، هي توبة تروي ، وعدم التعجل با لابتلاء بمحبوب ، فقط المطلوب من القلب الصلاة والصوم وكل شيء قد كُتب بمكتوب ( اللوح المحفوظ ) وهي اغنية( قدرية بامتياز ،) وكأنها تناص مع ( القسمة والنصيب و المكتوب على الجبين ):
ياقلب توب لا تبتلي بمحبوب
صلي وصوم وكل شيء بمكتوب
الصلاة والصيام من الاعمال التي تجلب معها الصبر ،ومع هذا الصبر يمكن للمرأه ان تختار لها حبيب ، بأسلوب (وهي كما يبدو مفردة معاصرة ):
خلوني شاصلي خلوني شاتوب
خلوني شادور حبيب باسلوب
العين والقلب ، أداتا ، الانشغال العاطفي ، وكأن النفس فيما يصبها من مشقة وعذاب ، تجعل من هاتين الآدتين محل تهمة شكوى دائمتين :
عيني وقلبي بالهوى امحنوني
كلما نسيت الخل ذكروني
وفي أغنية ثانية، تتوجه الأغنية ، بالتشفي بالعين التي أختارت حبيبها:
تستاهلي يا عين لو بكيتي
انت اللي اخترتي وانت رضيتي
وقد تضيف الأغنية ، بيتا آخرا. ، زيادة في النكاية بالعين :
قاخيروك اهلك ومارضيتي
لبيت الفقيه ، المدينة المشهورة ، بتخريج الفقهاء والقضاة ، نصيبها من الاغنية اليمنية في الريف ، ولكنها مغايرة، لمكانة بيت الفقيه في الذاكرة الدينية،
فمطالبة الأغنية بالحريق والنار ، لأن من دخلها وهو مسلم يرجع ، (بزنار) ، الذي يميز اليهودي من المسلم .
وتبدو أن هذه الأغنية تشير إلى بعض المتفيقهين ، الذين يفسدون بأعمالهم المراوغة أخلاق الريف :
بيت الفقيه لك الحريق والنار
ومن دخل وسطك مسلم رجع بزنار
وتأتي في أغنية إخرى مفردتا ( مصلي ، وصائم ) لتشير الى أن بعضا ممن يؤدن صلاه الجمعة ويصومون ست شوال ، يتحرشون بالبنات الصغيرات:
مصلي الجمعه وصائم الست
خرج من الجامع يلاعب البنت
طلب المكاشفة ، لرؤية بعض الملامح المحببة للنفس ، و في تقديري ، أن هذه الاغاني ، حديثة العهد بالريف اليمني ، فإلى منتصف تسعينيات القرن الماضي ، كن نساء ، وفتيات الريف ، يخرجن لأداء أعمالهن ، بدون نقاب ( لثام ) .
تتخذ الأغنية من تشبيه المرأة أو الفتاة بعقد لول منظوم . كناية عن البياض والرشاقه، وأنه مضى زمن لعين الاغنية ، محرومة من رؤية الجمال:
فك اللثام يا عقد لول منظوم
قد لي زمان من الجمال محروم
وقد تاتي الأغنية ، بالإشادة بمن شقى ( الأب ) وربى هذا الجمال:
فك اللثام شاشوف مو مخبَّأ
واقول يرحم من شقى وربَّا
أو تطلب الاغنية لمحة من نظرة إلى الوجه مقابل الدعاء بالسقاية ( كناية على الخير ) للبيت التي ( تربيت ) فيها هذه الفتاة أو المرأة :
فك اللثام لمحة نظر وغطَّيت
شاقول يسقي حيث ما تربَّيت
وقد تطلب الأغنية المكاشفة لكي ترى المبسم، هذا الذي تكاد حمرته ، أن تقطر بالدم.. ما تقطر السيوف عند الحرب :
فك اللثام تحت اللثام مبسم
مثل السيوف بالحرب يقطروا دم
وكأن الاغنيه تناص قول عنتره
فوددت تقبيل السيوف لانها
لمعت كبارق تغرك المتبسم
تسمى أشعة الشمس التي تدخل من النافذة ، للبيت أو من السمأة ( فتحة ) توضع في منتصف السقف ، ( بالزارقة) ، ولذا أَطلقت على تلك الأشعة التي تنفذ من بين أوراق الأشجار ( زوارق ) وبسبب كثرتها ، وبتغير موقعها مع حركة الشمس ، تتغير مواقع هذه (الزوارق) ، و من منطلق تقلب الحال هذه ، تأتي الأغنية تترحم على العاشق المفارق الذي لا يستقر به قرار :
شفت الشموس تحت الشجر زوارق
يارحمتي للعاشق المفارق
الطيور ، نهارية المسعى ، وليلية المبيت ، مع استحالة تواجدها ، يقظة ليلا ، سوى الخفافيش ، والبوم ، فإن الأغنية تتمنى من هذه الطيور . المنفعة بالعشية لإيصال مكتوب أو هدية لحبيبها ، وقد يَقصَد بالعشية ، قبل غروب الشمس :
ليت الطيور تنفعني بالعشية
تشللي مكتوب والا هدية
القمر ، في صفاء لياليه ، وهدوء انسيابه ، وتضاحكه ، في وجه مسامريه ، غير هذا لقمر الصناعي الذي ، يجعل من الذين يسهرون تحت أمواجه المرسلة بالمتع اللاممتعة، نهارا وليلا لا قيمة جمالية له:
فلذاك القمر وتلك المناجاة حيويتها ، والنظر إليه حتى وهو ابن يوم وليله ، مسامرة عذبة ، تشرد نوم العيون ، عند ذكرها للخل ( الزوج ):
شفت القمر بليلته ويومه
يامن ذكر خله شرد نومه
للأبناء ، مخاوف أمهاتهم ، وحرقة مدامعهن ، ولظى التلهف لعودتهم. ، ولهم أيضا ، دعائهن الذي يظللهم في حلهم وترحالهم ، وتأتي أغنية الأم هنا ، تبين ، وداع الأم لإبنها:
ابني سرح مقلياش على الله
يشا الوداع مني وداعة الله
يتبع ..