- كتب: د. عبدالعزيز علوان
الإهداء : إلى مهندس هذه القراءات المهندس عدنان شمسان العريقي
في القراءتين السابقتين ، تم التطرق إلى أغراض بعضا من نماذج ، أغاني المرأة اليمنية في الريف اليمني ..
قبل أن نواصل (السباحة على ريشة اغان أخرى)، بأغراضها المختلفة عما سبق ، ثمة أمر ، لا بد من توضيحه ، فيما يخص تلك الأغاني ، هو أنها ، تندرج تحت نمط الادب الشعبي ، الغير معروف القائل ، كما أسلفنا ، يقوله شخص مجهول ، و يصبح القول معبرا عن الذاكرة الجماعية أداءََ وتكرارا.
ولذا فإن تلك الأغاني ، ذات البيت الواحد ، أو البيتين الاثنتين ، بأغراضها المختلفة ، هي مقولات فردية ، تبوح بها إمرأة ، واحدة أمتلكت ، موهبة ادإبداعية ، خاصة ، عصرتها معاناتها ؛ واعتصرتها في هذه الاغنية أو تلك ، لتصبح معبرة عن كل النساء اللواتي يعشن التجربة في المجتمع الريفي .
تتعرض هذه الأغاني ، للحذف و للصقل ، وتغيير بعض ألفاظها ، مع مرور الزمن ، أو اثناء انتقالها شفهيا من منطقة إلى أخرى ( المقارنة ليست موضوعنا هنا ).
الحياة في الريف اليمني ، تتميز بالصدق ، والوفاء ، والتعاون المثمر في أكثر من مجال ( الزارعة ، والاعراس .، والاتراح ، وغيرها ) .
المرأة ، انسان ، قد تنقاد لعواطفها ، ولكنها تظل محافظة ، على تقاليد وأعراف الريف المتوارثة..
من خلال استعراضنا هذا ، لنماذج أخرى ، من تلك الأغاني ، نجد فيها ..
إن المرأة ، إذ تضعف (بتصديق ) الكثير من وعود ( بحبوحة العيش الرغيد )، تصاب بخيبة تجعلها تتمنى لمن وعدها ، أن تكون جهنم مسكنه وبيته (صورة جحيمية ):
غريتني ياليت ماهويتك
يجعل جهنم مسكنك وبيتك
وحين يتففن بعض الشباب ، بإغراء المرأة بما تسميه ( باللاس ) الكلام المليح و ( التملاس) كثرة الدهن ( الكريم ) على وجهه ، يتكشف لها طبعه سريعا ، فتصف طبعه بأنه شمات ، يجلب لها ، الخزي ، أمام الناس. حيث يلاحظ من الأغنية أنها تناص مع المثل (المظهر غير المخبر) :
غريتني باللاس والتملاس
طبعك شمات يا خزئي من الناس
وعندما تصبح الوعود بمثابة التسميم لحياتها ، تطلق انفاسها ، بالدعاء عليه بـ ( صورة كيئبة مرعبة):
سممتني لك سم حار قاطع
ليله تموت وليلتين تنازع
وفي عتاب أقل حدة ، تصارحه بأنها ، لا تريد الغصه ( نكد العيش ) والهيانة ، وتطلب منه أن يعيدها ، إلى بيت أهلها :
ماشاش أني الغصة ولا الهيانة
قم ردني لبيت أبي أمانة
ونراها وفية الى منتهى أجلها ، صابرة منتظرة عودة زوجها من غربته ، ومع هذا الانتظار تبحث له عن سبب ، أجبره على عدم العودة ، وهو أن الموت ربما يكون حال دون ذلك ، ومن ثمة تعلن مسامحتها ، أمام ابنها الذي صار يافعا.
وقد أوضح الكثير من معاناة هذه المرأة د. سلطان الصريمي في أغنية ( مسعود هجر ) ،( تحتاج لقراءة خاصة):
الا لييي ليي ليي
وا عمتي منو شقل لمسعود!
في عامنا الاول رزقنا مولود
هذه الاغنية وغيرها من الاغاني ، المغناة باصوات ( عبد الباسط ، ايوب ، فرسان خليفه ، المرشدي ، وغيرهم )، الفها شعرائها باستثمار المورث الشعبي ( تناصا معه ).
و نجد المرأة غيرها في أغنية أخرى ، تدعو عليه بالموت لقاء هجره لها.. وتختار ليلة العيد ، كثأر لتجربتها . المريرة بالأعياد التي قضتها بدونه ، (صوره ليست أقل رعبا من السابقة):
هجرتني هجر المساجد البيض
لك المرض والموت بليلة العيد
وفي أغنية أخرى ؛ تتشارك مع هذه الأغنية بالعجز ، نجد أن المرأة في هذه الأغنية ، تكاد تفقد حياتها فكدا ( هما وغما ) من كثرة ، التهديد المستمر من زوجها ، (واغلب الظن ان هذه التهديد يكون بمعايرتها بالزواج من أخرى ) ، ولذا تدعو عليه بذات الدعوة السابقة:
فكدتني زلجتني تهاديد
لك المرض والموت بللية العيد
قد تنجذب المرأة ، إلى الكثير من المغريات ،( التي دخلت إلى الريف من المدن مثل ( الميكله مفردة معاصرة نسبة لمايكل جاكسون)، وهي اللبس والتغيير في المظهر الخارجي لبعض العائدين من الغربة ( داخليا او خارجيا ).
يا لابس الميكل أنا افدي روحك
يا ريتني الشاهي على صبوحك
ويبدو أن هذه الاغنية محورة من الأغنية:
حبيبي واني فدا لروحك
يا ليتني شاهي على صبوحك
في أغنية ثانية ، نجد ان المرأة ، قد تذهب ، وراء الوسيط ( الخاطبه ) التي تعدد صفات الخاطب ، مقابل مبلغ معين ، وحين تكشف المرأة بعد زواجها من هذا الشاب انها ، خُدِعت من الوسيط ، تصدح بكشف سوء نوايا هذه الوسيط ، مبينة الصفات الحقيقيه للشاب الذي ارتبطت به ، ( خداع ، مكار ، كثير العيوب )
غرني جلابه الا غرني جلابه
خداع ومكار وكثير اعيابه
تكشو المرأة ، حالها بكل وضوح ، وتعلن ان نصيبها في الزاوج كان مقدرا لها ، وكان بإمكان القدر ان يمنع حدوثه ، لو تعرض الوسيط للدغ افعى ( قُبص ) ، او سقط في الطريق وأصيب بكسور تمنعه من مواصلة مهمته.
وابوي أني مو ذا النصيب تقدر
ليت الوسيط قُبِص والاًَ تكسر
يتعدى هذا الشكى إلى أمها ، بأنها لو علمت ( رأت ) حالها ، ستبكي كل النهار ، وستقهد الليالي. كموقف تضامني متحسر معها.
اميمتي ليتك تري لي حالي
شتبكي النهار وشتقهدي الليالي
تواصل شكواها ، بإرجاع هذا النصيب، إلى شيئين ، اثنيين ، أما مكتوب لها .، أو انه بتواطئ من اهلها:
يابي اني موذا النصيب كتب لي
انه من الباري انه من اهلي
للنجوم والشمس والسحاب والقمر ، مناجات شتى مع هذه الاغاني :
فا لليل تقضيه بِعَد ( النجوم )
سبعة نجوم عديتهم بالفرد
قولوا لذاك الولد قتلني البرد
أو الطلب من هذه النجوم أن تصف لها حالة الحبيبين بعد فراقهما :
امانة الله يانجوم اثنين
كيف العيون بعد فراق حبيبين
أو تشهدالنجوم بحبها، وتطلب منها إخبار حبيبها :
يا ذي النجوم كوني اشهدي بحبي
وخبري المحبوب ماوقع بي
و تنصح المحب بتجرع الغلائب ، كلما شن المطر ، وتجلجلت السحائب ذهابا وايابا :
شن المطر وتجلجل السحايب
من كان يحب يتجرع الغلائب
موقفها من الزواج من كبار السن ، يتسم بكشف
حالته الصحيه ، التي تصاب بالبرد من العصر ، ولا بد من وجود حطب وعيدان لتدفئته ، كموقف رافض لهذا الزواج ، مهما كان الإغراء:
ماشتيش أني الشيبة من عصر بردان
من أين يندوا له حطب وعيدان
وحين تسأل الطير ، عن مدى هيامه ، تطلب من الله ان يعينه معها اذا كان مفارقا لحبيبه مثلها:
طير الهوى مالك تهيم مكانك
لنت مفارق عانني وعانك
واذ تعلم بقدوم الحبيب الزوج تطلب من الشمس ان تبطئ حركتها ،حتى يصل اليها الزوج الحبيب ؛ قبل الغروب
شمس الاصيل لاتغربي ولاشي
وعاد الحبيب بالطريق ماشي
عدن كانت اقرب ، مكان يغترب فيها ، أغلب سكان الحجريه ، (دكة البس) احد الامكان التي يعمل بها بعضا من العمال، وهنا تهمس الأغنية في أذن احد العمال او الطبل ، تسأله بالله ، أن يسأل الحبيب كم ستستمر مدة جلوسه هناك ، وكأنها( تضمر ) استعجال عودته .
بالله علــوك تـدخـل لدكـة البـس
تشاور المحبوب كم عاده شجلس
(شركة بيبي) ، مكان آخر لعمال الريف ، تدعو عليها الاغنية بالحريق ، لانها ( احرمتها ) حبيبها لفترة طويلة ، خيل لها انه صار عدما
ليـك الـحريـق يا شـركة بـيـبي
ليـك الـحريـق عـدمـتـني حبـيـبي
المبلغ المالي الذي يوفره المغترب في عدن.، يذهب عند عودته( للفشرهطة) جذب انتباه الناس من خلال ( التبذير) به ، وهنا نسمع الأغنية تتهكم في هذا ( المُعَدن) نسبة الى عدن ، وكيف تؤول حالته إلى حالة الجن، ( صورة متخيلة )
يا بـي أني مـن فـشرة المُـعدن
يومين ثلاث قا هو بحالة الجن
أول ما عرفت القرى ، البر ، مرسلا من عدن
و يحتاج عجينه الى مهارة غير عجين (الذره ، الغَرِب والدخن) ، وقد ارتبط هذا المرسل ، بقطع من (باز النيلون) ترسل الى جانبه لكن هذه الرساله ( التسبور) لم تتضمن النيلون ، ونسمع الاغنيه حينها ، ترفض البر ، وتبحث عن قطعة (ثوب النيلون) ، كان كأحسن ما يقتنى من ثياب بديلا عن ( التبيت ) قماش تسود اللون ، وربما تعبر هذه الأغنية رفض المنتجات الغذائيه المستورده ،
ما شاء ولا بٌـرك ولا أقـدر أعجن
ما نديتليش نيلون يشلوك الجن
يتبع