- كتب: د. عبدالعزيز علوان
الإهداء : إلى مهندس هذه القراءات المهندس عدنان شمسان العريقي
عرضنا في القراءة السابقة ، الفرق بين مفهوم الأدب الشعبي ، والأدب العامي ، كما تطرقنا فيها ، لمدلولات ، بعض الأغاني ، وسنتطرق في هذه القراءة لمدلولات أخرى ، مع ملاحظة أن هذه الأغاني تعرف ( بالملاله ) في منطقة الحجريه لأنها تبدأ ، بلازمة ( الا لييي لييي ليي ليي ) ..
القلم في أغاني المرأة اليمنية:
هل كانت ، المرأة الريفية ، قارئة وكاتبة، إذا سلمنا للبعض بالإجابة بنعم . فإن معظم نساء الريف اليمني ، ، كن لا يعرفن الكتابة والقراءة . وبالذات قبل عقد الثمانينيات.
مع الإعتراف لهن بمعرفة أحرف الأبجدية ، ألف، با ، …. وأبجد هوز ؛ كمعرفة سمعية من أطفال القرية الذين يقرأون عند الفقيه.
وإن صح قولنا هذا ، يقفز أمامنا السؤال التالي ، لماذا إذن تطلب المرأة الريفية من الكاتب القلم ، وتتجرأ بقولها له ، شعلمك …
كثيرات من نساء القرى كن يذهبن إلى بعض القرى المجاوره ، لقراءة الرسائل التي تصلهن من أزواجهن ، بعد فترة تتجاوز الأسبوع وربما أكثر من إرسالها ، وقد المح الشاعر عبدالله سلام ناجي للتأخر في وصول الرسائل بقوله:
وبعد سنه وصل جوابه فوق حمار
لجدته والدنيا ساكه بالنهار
بكت كثير من الفرح …( نشوان والراعية )
يذهبن هولاء النسوة لمن يجيد القراءه والكتابة ، لقراءة الرسالة ( الجواب )التى وصلتها ، وتطلب منه أن يرد على هذه الرسائل :
يكتب هذا الكاتب ، تلك المفردات المعتادة، وأثناء كتابة الرد ( الجواب ) لا تستطيع المرأة أن تبوح بما تعانيه وما تفيض به مشاعرها ، في غياب زوجها ، ولذا تلجأ إلى إطلاق كل ماتريد قوله ، لتك الأغاني ، التي تحملها الريح حينا ، والنسائم ، حينا وحنيننا آخرا ؛ في مناطق أكثر انفتاحا ، ( الجبال ، الوديان. والشعاب ) ، مضمرة الكثير من معاناتها ، وتتخذ من الرمز ، وسيلة للسخرية من الألفاظ المعتادة لهذا الكاتب أو ذاك .. ، تدعو الكاتب لإعطائها القلم ، لتعليمه كيفية الكتابة وكيفية بداية الحب :
هات القلم شاعلمك تكتب
شاعلمك كيفَ بداية الحب
وتكرر ذات الطلب( القلم ) من الكاتب في أغنية أخرى . لتعليمه ألف، باء ، أولى أحرف ( الصوتيات الهجائية ) ، موعزة له بأنها ستعلمه كل ما يختبئ بقلبها مصغرا في كلمة ( قليب ) ،( دون ان تصرح بذلك الشيء المخبأ )، وللسامع والقارئ وضع أكثر من سيناريو للشيء المخبأ :
هات القلم شاعلمك الف باء
شاعلمك مو بالقليب مخبأ
وقد تطلب المرأة القلم لتعليم الكاتب أول أحرف الأبجدية ( أبجد ) … متخذة من تدليل الكاتب شطرا آخرا للاغنية :
هات القلم شاعلمك أبجد
ياحالي القامة ياوردي الخد
وحين تسأم المرأة ، أو تجد أن ما كتب لم يشف غليلها تطلب القلم من الكاتب ، لتعاونه بسطرين
ليتعلم من هذين السطرين كيف يسيلين مدامعها( حرقة ) أثناء كتابتها هذين السطرين :
هات القلم شاعاوِنك بسطرين
شاعلمك كيف الدموع يسيلين
وقد تكتب المرأة مكتوبها مجازا ، بسبعة أقلام ، وللعدد سبعة، معان مختلفه في أغاني المرأة الريفية، ربما لقداسة هذا الرقم الكامن في اللاوعي، وهي بهذا المكتوب تبين الغرض من هذا المكتوب فهو خمسة للسلام على المحبوب ، بما تحمله كلمة السلام من معان الهدوء وراحة البال ، وربما بما تخفيه وراءها من شوق ولوعة :
كتبت لك مكتوب بالسبعة الاقلام
خمسة سلام وإثنين ردود الاعلام
وفي عجلة من أمرها ، ولأن الجراد لا يستقر به المقام وإنما يغادر أسرابه ، في اتجاهات سير محددة، فقد كتبت المرأة لحبيبها ( زوجها ) الغائب بريشة هذه (الجرادة) مفرد جراد ،موضحة أنها لم تجد ورقا لمكتوبها:
كتبت لك بريشة الجراده
من العَجل ماعد لقيتش بياضه
وفي مكتوب آخر تكشف المرأة رغبتها في دعوة الحبيب للعودة إليها ، موجهة لعنتها على الدراهم ( الفلوس ) :
كتبت لك مكتوب لأنت فاهم
أشتي وصولك لعن ابي الدراهم
التحقيق في كتابة المكتوب، كتوثيق للحال التي صار إليه حبيبها، ونلاحظ من دلالة كلمة شلوا ( اخذوا ) تعود هذه الدلالة لزوار الفجر ، الذين أعتقلوا حبيها أو شلوه، ولم تزل غير مصدقة لهذا الموقف:
يا كاتب المكتوب اكتب وحقق
شلوا حبيب قلبي ما نيش مصدق
مفردات اختيار المرأة لشريك حياتها:
الخيبة ( ج. خياب ) ظاهرة اجتماعية ، تتعدد ألوانها ، وطرائق، سلوكها في المجتمع ، وتعبر عن شنق الجمال ، كما يقول الصريمي :
الخياب ذكروني بشنق الجمال
ب (ميسون) تبكي أمام العيون الحيارى
تغطرف، أبي مو جرالك ،
كيف خليتوهم ينهبوك
يشلوك من بيننا
يغدروا بكِ … ( أبجدية البحر والثورة ).
وللملالة ،( أغاني المرأة في الريف) وضوحها البين ، في رفض هذه الظاهرة .. بدأ في رغبتها باختيار شريك حياتها ، تختار المليح بحاله الذي هو عليه .. رافضة الخيبة بكل إغراءاته :
ماشتيش أني الخيبه لو يندي الفين
واشتي المليح ثنتين بقش يكفين
وأيضا ، تدخل في تحدي الرفض لهذا ( الخيبة ) حتى لو خلسوا جلدها وذبحوها ، ولهذا الرفض معناه، الأقوى ، بتقديمها لخلاس جلدها ، قبل الذبح :
ما اشتيش أني الخيبة لو تغصبوني
لو تخلسوا جلدي وتذبحوني
الرفض لا زال واضحا لهذا الخيبة حتى لو تفنن ، في تلوين مظهره ، وإظهار شبابه ( تشبشب ) وكأن هذا الشخص من ذوي الثراء الطاعن في السن ،ويبدو وضوح هذا التلون بحلاقة الذقن ، ولبس الشرابة ( الجوارب ) :
ما اشتيش أني الخيبة ولو تشبشب
ولو حلق ذقنه ولو تشرب
لا تخفي المرأة ، رفضها فقط لهذا الذي تسميه الخيبه ، ولكنها تلعن كل من كان سبب في وجوده وفرضه عليها، تلعن( ابوه . واهله ) والقاضي الذي عقد قرانها به:
يلعن أبو الخيبة يلعن ابو أهله
يلعن ابو القاضي اللي عقد له
التعزير القولي أحد أسلحة هذا الرفض التي تواجه به المرأة هذا الخيبة ، ولا تكتفي بهذا التعزير ولكنه بداية للتخلص منه بإلقائه من شاهق جبل:
شلوك يا الخيبة وشلشلوا بك
لا راس جبل عالي ويمطشوا بك
وكلما زاد عناد هذا الخيبه ، زاد رفضها والتخلص منه بشتى الطرق:
شلوك يا الخيبة عادك تلاوق
يذرذروا دمك بين الزقاوق
ويبلغ الرفض منتهاه ، بإبراز قبح وخسة هذا الخيبه متمنية السعاده لمن شمدده وشذبح
خيبة واخس الناس وزاد اقبح
يا سعد من شيمدده وشذبح
العيش المقارن:
تفضيل الفقير في بحبوحة عيشه ، عن الغني، الذي يجبرها على العمل طيلة اليوم بحوله ،إنه إنحياز طبقي ، وكأن هذا الإنحياز ، كامن في اللاوعي ..
ماشتيش اني التاجر مو عمل بحوله
واشتي الفقير شعمل عصيد لأجله
فهل أستحضرت هنا ، المرأة اليمنية ما في لا وعيها من إنحياز طبقي، كإحتجاج على الفوارق الاجتماعية.
الهدوء والاستقرار مع الفقراء ، مقابل للترف ، وعدم الأمان مع الأغنياء . أو لم تسبقها إلى ذلك ؛ ميسون بنت بحدل الكلبية التي تزوجها معاوية بن أبي سفيان وأتى بها من بادية بني كلب في بادية الشام، إلى قصره بدمشق فحنت لأيام البادية.
لبيتٌ تخفق الأرواح فيه
أحب إليّ من قصر منيفِ
ولبس عباءة وتقرّ عيني
أحب اليّ من لبس الشفوفِ
وأكل كسيرة من كسر بيتي
أحب إليّ من أكل الرغيفِ
يتبع …..