- عبدالكريم الرازحي
عندما أبصر عبده الزغير عروسه دارت الدنيا في راسه، وشعر بكل شيئ يدور حوله .
ولشدة ماكان مقهورا وموجوعا اندفع خارجا وهو في ذروة غضبه من عمه .
وحين رأته أمه منارة يخرج من غرفة نومه وهو غاضب ومتغير المزاج ساورها شعور بان ابنها ربما عجز عن فتح عروسه فقالت تسأله :
-موبك ضبحان ياعبده خينا ماقدرتش تفتح العروسة !!
قال لها وقد أوجعه كلامها: فتحتها يمّا فتحتها لكن الوسخ عمي … وقبل أن يكمل كلامه كانت لشدة فرحتها قد صعدت الدرج إلى السقف بخطوات سريعة ومن سقف الدار الكبير راحت تزغرد وتبشر نساء القرية بأن ابنها عبده الزغير فتح عروسه مليحة.
وكان ان راحت النساء في سطوح بيوتهن يتجاوبن معها ويزغردن احتفالا بالمناسبة.
وفي طريقه الى بيت عمه قاسم راح عبده الزغير يسترجع كل ماحدث له ليلة الدخلة ويتساءل بينه وبين نفسه وهو محروق :
- لِمَو عمي قاسم عمل بي هذا العمل؟ موبيني وبينه؟انا ماقصرتش معه دفعت له المهر الذي طلبه ولانقّصت علوه ريال لكن موهو السبب!! ولمو غالطنا وغشّنا وزوّجنا بنته العجماء قُرُوش!!.
كان يعرف بأن عمه بخيل ولئيم لكنه لم يكن يتوقع بعد ان تمت الخطوبة وتم العقد ان ينكث العقد والعهدولشدة ماكان غاضبا على عمه خاف ان يصل اليه وهو غاضب . وحتى يسيطر على غضبه ويهدئ من سخطه على عمه الذي استهبله وغالطه وخدعه وغشه راح عبده الزغير يلتمس له الاعذار ويقول محدثا نفسه :- - عمي قو كبير يكون نسى والاغلط
- عمي مش ممكن بعدما عقد لي على مليحة امام القاضي وامام شهود يرجع بكلامه
-وبعدا عمي قاسم مودخله موهو اللي دخل يجهز الحريوة قبل ماتخرج !!
وعند اقترابه من بيت عمه كان قدحل محل شعوره بالغضب شعور بالامل وكان على يقين بأن عمه بمجرد ان يعرف ماحدث سوف يراجع نفسه ويعتذر ويقول له :
- ياعبده الزغير يا ابن أخي ردمان سامحنا
وسيطلب منه ان يرجِّع بنته قروش العجماء وياخذ مليحة زوجته.
وعندما وصل عبده الزغير إلى بيت عمه وصل وهو بكامل هدوءه ودخل على عمه الذي كان يتناول فطوره في الديوان وبعد السلام عليكم وعليكم والسلام قال له عبده الزغير :
-ياعم قاسم موذا الخبر حقك !! أنا خطبت بنتك “مليحة” وانت زوجتنا قُرُوش العجماء !!
قال له عمه قاسم وقد كاد يشرق باللقمة :
- مُوْهْوْ !!مُوْقلت ياعبده الزغير !! زوجتوك قُُروش العجماء !!موبها قروش العجماء!!
قروش مرة تكفِّي قرية.
قال له عبده الزغير : - داري ياعم أن قروش تكفِّي قرية لكن ماسدّيناش على قروش ياعم سدينا على اختها الزغيره مليحه وانت غالطتنا .
وصاح قاسم غاضبا :مُوْهُوْ !!مُوْقلت !!غالطتوك!! لو انا غالطتوك وزوجتوك قروش العجماء بدل مليحة لمو مارجعتهاش بيومها !!
قال عبده الزغير : مودرّانا ياعم انها قروش العجماء!! دخلت وقَيْ فوق القعادة ومتغطِّي بالكُنْبُل وكنت اكلمها وهي ساكت ولاتتكلم قلت يمكن مستحي مني .
قال له عمه قاسم وهو يواصل الاكل :
-قسمة ونصيب ياابن اخي وقروش قي نصيبك .
قال عبده الزغير معترضا وقد استفزه عمه بكلامه : - لاياعم قاسم مش قسمة ونصيب ولاتقول لي قروش نصيبي انت عقدت لي على مليحة وواجبك تراجع نفسك وترجّع لي زوجتي مليحة وانا ارجّع لك قروش والغلط مرجوع .
وعندها ثارت ثائرة عمه قاسم وقال له هو في ذروة غضبه : - مُوهُو !!مُوْقلت ياعبده الزغير!! : ترجّع لي قروش بعدما فتحتها وقَيْ مفتوح وفوق هذا ماتستحيش تطلب مني اندي لك مليحة تفتحها انت بعقلك والا مافيش معك عقل !!
قال له عبده الزغيروهو يحاول السيطرة على انفعاله : - صح انا فتحت قرُوش بس الغلط من عندك ياعم قاسم
قال له له عمه :
-لو انا غلطت انت غلطتك أكبر
ورد عبده الزغير على عمه قائلا :
-انت ماغلطتش ياعم قاسم انت غالطتنا وغشيتنا تحسبنا أهبل والا انت داري ومليحة داري وامها كاتبة داري والقرية كلها داري اننا خطبت وعقدت على بنتك الزغيرة مليحة
وراح عمه قاسم يهدئ من انفعاله ويقول له : - والله ياابن اخي أن قروش أحسن لك من مليحة صح عجماء لكن مرة .
وتذكر عبده الزغير انه ليلة الدخلة من كثرة ماجامعها ومن فرط التعب والإجهاد كان يصيح بها ويتوسل اليها ويطلب منها ان تتركه يرتاح وينام لكنها لم تكن تسمع .
تذكر ذلك وقال لعمه قاسم : - ياعم قاسم قروش مش بس عجماء قروش صنجاء ماتسمعش
قال عمه قاسم وكأنه تفاجأ بأن ابنته العجماء صماء لاتسمع : - والله مالي علم انها صنجاء لكن انت موشضُرّك لوعلّيت صوتك قليل على شان تسمعك !!
عندئذٍ نفذ صبر عبده الزغير وجُن جنونه وخرج من بيت عمه قاسم وراح يجري باتجاه ساحة القرية وعند وصوله الساحة صاح بكل صوته يُشهِّد الحاضرين على عمه قاسم : - اشهدوا لي يااهل القرية على عمي قاسم
يقولون له وقد اثار بكلامه استغرابهم :
-على مو!!موقافي بينكم !!عاده زوجك بنته !!
واخبرهم عبده الزغير بأن عمه غالطه وغشه وزوجه بنته الكبيرة قروش العجماء وكان الناس يستغربون وبعضهم لم يكن يصدق وثمة من كان يسأله : - من صدق ياعبده الزغير عمك قاسم زوجك بنته الكبيرة العجماء قروش!!
وكان عبده الزغير يقسم لهم بان مايقوله حقيقة وليس افتراءً على عمه
وقال بعضهم مظهرا تعاطفه مع عبده الزغير :
-هذا غش ياعبده الزغير عمك قاسم غشك لانك يتيم ذلحين الحل ترجّع قروش وتاخذ زوجتك مليحة ونحنا شهود
قال البعض الآخر محتجا : اين عقولكم!! كيف يرجعها!! وهو قافتحها!! حتى القصعة العنانيس لو رجعتها لصاحب الدكان وقافتحتها مايقبل يرجعها لك.
واحتار أهل القرية في الأمر وانقسموا في ردود افعالهم منهم من ابدى تعاطفه مع عبده الزغير وحمّل المسئولية عمه قاسم كونه غشه وزوجه بنته الكبيرة العجماء.
ومنهم من القى باللوم على عبده الزغير لانه دخل عليها وفتحها قبل ان يتاكد.
و قال الفقيه سعيد بأن ماحدث هو الزنا بعينه لان العريس جامع بنتا غير البنت التي تزوجها بعقد شرعي .
وبعد كلام الفقيه سعيد التفت بعضهم الى عبده الزغير التفاتة ذات مغزى وكأنهم يتهمونه بالزنا وثمة من نصحه بان يطلق قروش العجماء :
- طلقها ياعبده الزغير قبل ماتدخلك جهنم
ولم يقل لهم عبده الزغير بانه ليلة الدخلة كان قد وقف على عتبات جهنم لكنه اخبرهم بأن قروش ليست زوجة شرعية حتى يطلقها وطلب منهم ان يتوسطوا له عند عمه ويحلوا الخلاف بينه وبينه .
والى بيت عمه قاسم ذهب الوسطاء وقالوا له : - ياقاسم انت رجل عاقل وفي آخر عمرك وعبده الزغير يتيم وابن اخوك والولد خطب مليحة وعقد ودفع لك المهر وانت وافقت ولكن اللي حدث شيئ لايرض الله ولارسوله بدل ماتزف له زوجته الشرعية زفيت له اختها الكبيرة العجماء وهذا الذي عملته حرام ولايجوز.
قال لهم قاسم الرُّمَيح وقد بدا غاضبا من ابن اخيه الذي ذهب يشرشح به ويشكوه إلى أهل القرية : - وماهو المطلوب مني ذلحين؟
قالوا له : المطلوب ترجّع له مليحة زوجته لانك عقدت بها له ولم تمكنه منها .
قال وهو يحاول أن يبدو امامهم منصفا : - لوكان ابن اخي رجّع بنتي قروش بنفس الليلة ومن دون مايفتحها كنت اخليكم الآن تزفوا له مليحة لكن فتحها وجلس ينكحهاليلة الدخلة وثاني ليلة وذلحين تطلبوا مني اجيب له مليحة يفتحها بأي شرع الواحد يفتح ثنتين خوات بمهر واحده !!
وعندها انقسم الوسطاء وقال بعضهم :
كلام قاسم صحيح ياجماعة كيف يفتح ثنتين خوات بمهر واحدة حتى لو رحت الدكان تشتي ثنتين قصع صلصة مايرضي المدكن يبيع لك قصعتين بسعر قصعة
ورفض قاسم ان يرد لابن أخيه زوجته مليحة وحين اقترحوا عليه رد المهر قال محتجا بنفس الحجة: - كيف ارجع له المهر وهو دخل على بنتي قروش وفتحها وجلّسها عنده يومين !!
قالوا يراجعوه : - طيب ياقاسم رجع له النص والنص ادب مادام وهو قل ادبه ودخل على قروش وفتحها ومش هي زوجته.
وكان هذا هو الحل الوسط الذي الذي اجمع عليه الوسطاء غيران قاسم الرميح واصل رفضه واغلق في وجوههم كل الابواب للوصول الى حل اوالى نصف حل .
ومن بيته خرج الوسطاء وذهبوا يخبرون عبده الزغير بموقف عمه وبدلا من ان يدينوا عمه ادانوه وقالوا له : - والله انك غلطان ياعبده الزغير كيف تفتح بنت مش هي مرتك ولاهي حلالك!! اين عقلك!!
يومها عاد عبده الزغير من ساحة القرية وهو متألم وزعلان من عمه ومتألم وزعلان اكثر من اهل قريته وعند وصوله الدار الكبير طلب من العجماء قروش ان تعود الى بيت ابيها لكنها رفضت الخروج وقالت له بلغة العجمان وهي تتشبث به بانها تحبه ولاتقوى على مفارقته .
وتدخلت أمه منارة وراحت تتعاجم كيما توضح لها الامر وقالت لها بلغة الاشارات بان عبده الزغير ليس زوجها حتى تبقى معه وحاولت تفهّمها بان ماحدث كان مجرد خطأ وان ربنا سوف يعاقبها ويحرقها في جهنم ان هي لم تعد الى بيتها .
غير ان قروش العجماء كانت تعتبر بيت ابيها هي جهنم وبيت عبده الزغير هي الجنه وكان من الصعب ان تقنعها منارة بالمغادرة بعد ان طعمت عسل الجنة.
بعد أن فشلت جميع المحاولات لاخراجها ذهب عبده الزغير إلى بيت عمه وطلب منه ان ياتي ويأخذبنته وجاء ابوها ليخرجها فرفضت الخروج وراحت تحتمي ب عبده الزغير وحينما راح ابوها يستخدم معها العنف ويحاول أن يخرجها بالقوة استشرست هي الاخرى وغرزت اسنانها في لحم رقبة ابيها وراحت تضغط بقوة وبحقد إلى أن أنبجس الدم غزيرا من رقبته.
كان ابوها يصرخ بكل مالديه من صوت ويطلب من ابن اخيه عبده الزغير ومن امه منارة ان يتدخلا ويفصلا بينه وبين بنته العجماء وبالكاد استطاع عبده الزغير وأمه منارة بعد جهد ان يبعداها عن ابيها الذي راح يهبط الدرج وهو يصرخ من الألم ويلعن بنته العجماء.
وبمجرد ان أبصرت قُروشُ اباها يهبط الدرج التفتت نحو عبده الزغير وقالت له بلغة العجمان بان اباها رجل شرير ولن تعود اليه لكنها وقد شعرت بأنه خائف منها راحت تطمئنه وتقول له بلغة الاشارات بأنها لن تعضه كما عضت اباها لانها تحبه.
وحتى تمحو الخوف العالق في وجهه اندفعت نحوه تقبله وتغمره بقبلاتها لكن عبده الزغير لخوفه منها لم ينم تلك الليلة في غرفة نومه وانما دخل غرفة المفرش واغلق الباب على نفسه وفيما بعد عندما عرفت قروش العجماء بانه هرب منها الى غرفة المفرش جلست لصق الباب تنتحب بصوت خفيض حتى لاتزعجه .
وفي الصباح وهو يخرج من غرفة المفرش تفاجأ بوجودها لصق الباب وكانت نائمة ودموعها متجمدة في خدودها مثل حصى صغيرة
وحين سال امه منارة عما حدث !!
أخبرته بانها بقيت تبكي طوال الليل وانها عندما نهضت لصلاة الفجر وجدتها تواصل البكاء بصوت خفيض لكنه حزين وموجع
انتهت
–