- ذمار : نبيهة محضور
منذ صغري أحببت الرياضة وكنت أتمنى أن أمارسها بكل أشكالها، وكنت أرقب أطفال الحي وهم يلعبون كرة القدم أتأملهم وهم يتقاذفون الكرة، أنصت لأصواتهم التي تتعالى تارة فرحاً بالفوز وتارة سخطا للخسارة، إذ لم يكن متاحاً لنا نحن الفتيات سوى بعض الألعاب البسيطة كنط الحبل والجري.
هذا ما قالته الدكتورة أماني عامر السليماني وهي تتذكر تجربتها مع الرياضة في سنوات حياتها الغضة ، أماني تخرجت مؤخراً من كلية الطب جامعة ذمار طب عام، نشأت في أسرة متمدنة الفكر وعلى قدر من الوعي بحقوق المرأة واحتياجاتها، فمارست الدكتورة أماني الرياضة في سنوات مختلفة من عمرها .
تصف أماني والدها بقولها :” والدي رجل عظيم، متفهم رغم بساطته، شجعني وأخواتي على التعليم وأتاح لنا المشاركة في كثير من الأنشطة، زرع بداخلنا الثقة بالنفس والحفاظ على القيم والأخلاق .
تقول أماني :” منذ طفولتي كنت التحق بالمراكز الصيفية التي تقام بالمدارس وكنت أشارك في كافة أنشطتها الرياضية ،كبرت وكبر بداخلي حب الرياضة حتى أني صممت وأخواتي وصديقات لي في المنزل ملعب صغير وبسيط لكرة السلة لنلعبها ، وفي سنوات المرحلة الثانوية شاركت بمسابقة الشطرنج التي نظمها اتحاد رياضة المرأة والتي أقيمت في مكتبة البردوني الثقافية قبل نحو عشر سنوات، وحصلت على المركز الأول.
نشاط محدود
تأثرت أماني بأختها التي تكبرها سناً والتي مارست الرياضة وشاركت في فعاليات ومسابقات عديدة خارج محافظة ذمار في العاصمة صنعاء، وشجعها ذلك على ممارسة الرياضة كلما سمحت لها الظروف أو توفر نشاط رياضي في المحافظة.
قالت أماني :” التحقت بالجامعة في العام 2012 ، كانت الأوضاع مضطربة في البلد ولم يكن هناك نشاط رياضي الا في السنوات الأخيرة الماضية ،ولم يكن هذا النشاط متواصل وانما نشاط سنوي تقيمه الجامعة لفترة محددة وعلى نطاق ضيق ، هذا النشاط كان متنفس لطلاب وطالبات الجامعة رغم غياب الحوافز والجوائز فيه .
وتضيف كان هناك مشاركة لطالبات الجامعة في العاب رياضية محددة كالشطرنج وكرة الطاولة في نطاق الطالبات ، والكثير من الفتيات كن يرغبن بالمشاركة ويحجمن عن ذلك خوفاً من سخط عائلتهن .
صعوبات وتحديات
أشارت أماني لبعض الصعوبات التي تعيق المرأة في ذمار عن ممارسة الرياضة بقولها :” الرياضة في محافظة ذمار لم تأخذ دورها الحقيقي، أولا لعدم وجود التشجيع والترويج من قبل الجهات المعنية بالرياضة ولعدم وجود أماكن وصالات مغلقة خاصة بالمرأة وثانياً بسبب ثقافة المجتمع وعدم تقبل الكثير لفكرة رياضة المرأة وغياب الوعي بأهميتها للصحة الجسدية والنفسية.
حصلت أماني على المركز الأول في مسابقة الشطرنج وعلى المركز الثاني في مسابقة كرة الطاولة (طالبات ) بدورة الأنشطة الرياضية والثقافية التي نظمتها جامعة ذمار للعام 2017-2018 . وتفخر وتشعر بالسعادة لذلك، أما عن طموحاتها المستقبلية فهي ترى أن مهنة الطب مهنة عظيمة شغلت كل وقتها وستمارس الرياضة البدنية في منزلها لإيمانها بأهميتها .
الدكتورة أماني عامر السليماني من فتيات محافظة ذمار، استطاعت بإرادتها وتشجيع أسرتها أن تمارس هواية أحبتها منذ الصغر رغم الكثير من العوائق المجتمعية والبنيوية ووصفت الرياضة بقولها: ” الرياضة فن من فنون الحياة “
تهميش وإقصاء
تقول ندى وهي شابة عشرينية :” لا يوجد مكان في ذمار تمارس فيه المرأة هواياتها ويكون متنفساً لها ، أغلب النساء المتزوجات يمضين وقتهن دون فائدة في التفارط ( جلسات نسائية يومية ) أما الفتيات لا يجدنا مكاناً يحتويهن لمزاولة أي نشاط ، حتى المشي في الشارع أصبح شي غير مرغوب فيه لوجود الكثير من المضايقات”.
مضيفة :” النشاط الرياضي النسائي مهمش تماماً في ذمار ، ولم نسمع عن إقامة أي نشاط رياضي يمكن أن تمارسه المرأة، سوى بعض الأنشطة الموسمية المحدودة تنظمها جامعة ذمار لطالبات الجامعة فقط ” .
” أتمنى ممارسة رياضة كرة السلة ، لكن أين ؟ في ذمار، هذا مستحيل” ! قالت ندى
عمر الرياضة النسائية في اليمن لا يتجاوز التسعة عشر عام ، حيث ظهرت الرياضة النسائية عقب تخرج أول دفعة من الشرطة النسائية في اليمن في العام 2002، وظلت مقتصرة على العاب محددة بينها الرماية والفروسية والجودو وتنس الطاولة وكرة السلة والشطرنج والعاب القوى.
واستطاعت المرأة اليمنية رغم كل القيود أن تقتحم عالم الرياضة الذي ضل حكراً على الرجال لفترة طويلة ولكن بتواجد خجول لرياضة المرأة .وظهرت عدد من الأسماء النسوية الرياضية في العاب مختلفة مارسنا الرياضة في العاصمة صنعاء بينما ظلت الكثير من المحافظات اليمنية مهمشة لهذا الجانب.
غياب التشجيع
قالت سلمى نهشل :” الشباب لا يقصد بهم الذكور فقط وانما ايضا الإناث ، وينبغي المساواة في الفرص بما يتناسب مع طبيعة المرأة اليمنية .
وتشير سلمى الى ضرورة تفعيل الرياضة النسائية وايجاد أماكن خاصة بالمرأة وفق ضوابط محددة تحميها، وتأمل من مكتب الشباب والرياضة الاهتمام بهذا الجانب كونه المسؤول الأول وعلى القطاع الخاص المساهمة في ذلك اذا لم تستطع الجهات المعنية توفير مراكز رياضة خاصة بالمرأة .
ثقافة العيب
“ثقافة العيب لازالت تطغى على المجتمع حتى وأن لم يكن هناك ما يضر بالقيم والأخلاق ” تقول يسرى
وتضيف ” لا نطالب بالخروج عن العادات الاجتماعية، ولكن من حق المرأة أن تمارس الرياضة بما يتوافق مع تكوينها أولا ، ودون أن يتعارض مع الأخلاق والقيم فهناك رياضة يمكن أن تمارسها في أماكن ومنتديات خاصة مغلقة وبإشراف كوادر نسائية”.
وعبرت يسرى عن أملها في وعي المجتمع وتغيير نظرته الدونية للمرأة وان يستشعر القائمون على جانب الشباب والرياضة مسؤوليتهم تجاه المرأة واحتياجاتها.
آراء الشارع
وعن اراء الشارع حول موضوع ممارسة المرأة للرياضة ، قال محمد عبدالملك وهبي :” قولوا عني متشدد، متزمت ، منغلق، متحيز ، اشراك المرأة في أي رياضة يعد انسلاخ عن آداب الإسلام وباب من أبواب العري لحشمة الثياب وأيضا الاختلاط.
أما الشاعر علي ناصر المرح فكان له رائي أخر حيث افاد بأن الرياضة واحدة من أهم الأنشطة البدنية والصحية وللمرأة الحق في ممارسة هذا النشاط والذي غالباً ما يكون ضروريا قبل أن يكون هواية أو لعبة.
وينوه الشاعر المرح على أهمي توفير أماكن خاصة لتمارس المرأة الأنشطة الرياضية، وعبر قنوات نسائية لتتمكن المرأة من ممارسة هذا النشاط.
بدوره أشار الناشط الحقوقي صالح بغاشة إلى أن ممارسة المرأة للرياضة يحميها من ممارسة بعض العادات الاجتماعية السلبية فالرياضة من وجهة نظره أفضل من تناول القات والشيشة التي تمضي الكثير من النساء أوقاتهنَّ فيه وتضر بصحتها.
وينوه على أهمية ايجاد اماكن خاصة لممارسة الرياضة النسوية تكون مؤمنة وعلى قدر من التنظيم وبما يتفق مع خصوصية المرأة اليمنية .
الحرب أكبر عائق للرياضة
وعن أسباب تهميش الرياضة النسوية وغيابها في محافظة ذمار تقول الأستاذة أمة الكريم الموشكي مديرة إدارة المرأة بمكتب الشباب والرياضة :” ان هناك العديد من العوائق التي تواجه الرياضة النسائية أهمها ثقافة المجتمع المعارضة لممارسة المرأة للرياضة وعدم وجود بنى تحتية خاصة بالرياضة النسوية تشجع التحاق الفتيات بالرياضة.
وأضافت :” إن الحرب على بلادنا يعد أكبر عائق حالياُ ،حيث استهدف مكتب الشباب والرياضة ومنشاته ،كانت لدينا صالة مغلقة استهدفها طيران التحالف “
وأفادت أمة الكريم الموشكي ” قبل الحرب بعدة سنوات تحديداً خلال الفترة من العام 1995 وحتى العام 2011، كانت هناك بعض الأنشطة والألعاب الخفيفة التي كانت ضمن النشاط المدرسي كالجري وشد الحبل ، وبعض الألعاب التي كانت تشارك فيها الفرق الرياضية النسائية في صنعاء، والتي كانت تقتصر على الشطرنج وكرة السلة والتنس والجري ، لكن توقف كل ذلك بسبب الحرب التي تشهدها البلاد منذ سبع سنوات”.
مؤكدة على أهمية تفعيل النشاط الرياضي للمرأة وتأمل من وزارة الشباب والرياضة إيجاد صالات مغلقة خاصة بالمرأة والسعي لتأهيل مدربات لبعض الأنشطة التي من الممكن أن تمارسها المرأة في ذمار وأيضا إعادة النشاط الرياضي المدرسي في المرحلة القادمة.
بدوره أفاد الأستاذ محمد البدوي مدير عام رعاية الشباب بجامعة ذمار :” ان الجامعة تقوم بتنفيذ أنشطة ثقافية ورياضية سنوية للشباب مثل كرة القدم وكرة الطائرة وتنس الطاولة والشطرنج وتقتصر مشاركات الفتاة الجامعية على رياضة الشطرنج وتنس الطاولة التي حصدت فيه الكثير من الفتيات المراكز الأولى” .
بطولات وأوسمة
تقول غادة الشظمي الأمين العام لاتحاد رياضة المرأة بذمار:” قبل 2010 كان هناك أنشطة رياضية للمرأة نفذت عبر اتحاد رياضة المرأة ومكتب الشباب والرياضة بذمار بدأت بالتدريج للتوافق مع طبيعة المجتمع الذماري الذي بدا بتقبل مشاركة المرأة في الأنشطة الرياضية ذلك الوقت بعد أن لمس وجود أنشطة رياضية آمنة خاصة بالمرأة .
وأشارت غادة الشظمي إلى دور التشجيع في ذلك الوقت في وجود رياضة نسائية خاصة من قبل الأستاذ شاجع المقدشي مدير عام مكتب الشباب في ذلك الوقت الذي خصص أوقات محددة في الصالة المغلقة للفتيات لممارسة رياضة كرة السلة والتنس والشطرنج وأيضا أوقات محددة في الملعب يمنع فيه دخول الذكور غير الناشئات لممارسة الجري والوتب”.
وقالت غادة الشظمي أنشأنا عبر اتحاد رياضة المرأة عدد من الفرق التي تم تدريبهن عبر مدربات متمكنات وشاركت هذه الفرق ببطولة الجمهورية لألعاب القوى للناشئات وبطولة الجمهورية في الشطرنج وكرة الطائرة والتنس لطالبات الثانوية والجامعة وأيضا من المجتمع في صنعاء وعدن وحصدنا عدد من الميداليات الفضية والبرونزية .
وختمت غادة الشظمي حديثها بقولها :” كان هناك خطة لتطوير الرياضة في ذمار وإدخال تدريبات جديدة خاصة في مجال الكاراتيه للفتيات الناشئات وفي مجال كرة اليد ولكن ظروف البلد والحرب وتوقف الدعم واغلاق الاتحاد أدى إلى توقف كل الأنشطة.
حماية
وترى هدى (ربة بيت) ، إن ظروف الحرب التي تعيشها بلادنا منذ ست سنوات تستدعي الاهتمام بممارسة بعض الرياضة الهامة كالرماية وتأهيل النساء الراغبات في كيفية استخدام السلاح تحت اشراف مدربات متمكنات ليتمكن من حماية أنفسهن عند الضرورة.
مضيفة :” كذلك رياضة الكراتيه من الرياضات الهامة التي يمكن تفعيلها في الأنشطة الرياضية المدرسية للفتيات ليتعلمن كيفية الدفاع عن النفس .
صحة بدنية ونفسية
وتؤكد الكثير من الدراسات في المجال الصحي أن لممارسة الرياضة فوائد صحية عديدة حيث تعمل على إحراق السعرات الحرارية وتزيد من عمليات التمثيل الغذائي وتقوم بتحويل الأنسجة الدهنية إلى أنسجة عضلية وتمنح الجسم قواماً متناسقاً ومشدوداً وتعمل على تعزيز جهاز المناعة كما تحمي ممارسة الرياضة الجسم من الإصابة بكثير من الأمراض مثل السكر وضغط الدم وغيره، اضافة الى اثارة النفسية الإيجابية.
ويرى الأستاذ محمد قطران أخصائي اجتماعي بمكتب الشؤون الاجتماعية :” أن العلاقة بين الرياضة والصحة النفسية علاقة وثيقة، حيث اثبتت دراسات سابقة إن الأفراد الذين يمارسون الرياضة بواقع مرتين الى ثلاثة مرات في الأسبوع والذين كانوا يعانون من الإكتاب والغضب والاجهاد وعدم الثقة فكانت النتيجة التحسن بشكل ملحوظ عن اولئك الذين لم يمارسوا الرياضة” .
ويؤكد محمد قطران إن للرياضة اهمية كبيرة للجانب النفسي للشباب حيث يساعد الجهد الذهني والجسدي الذي يبذله المراهق بالرياضة على تحسين المزاج وإزالة التوتر والألم النفسي والجسماني ، ويساعد في إفراز مادة تسمى الأندروفين الذي يساهم على السيطرة على الحالة النفسية ويساعد في الوقاية من القلق والاكتئاب ويؤدي إلى الشعور بالمتعة.
ويضيف :” إن ممارسة الرياضة تقتل الشعور بالملل وتخلص الشباب بشكل عام من أوقات الفراغ التي من الممكن أن يستغلها البعض في أشياء سلبية .
تفعيل واهتمام
الشباب هم ثروة الأمة ومستقبلها وتمتاز مرحلة الشباب بالطاقة والحيوية هذه الطاقة ينبغي استيعابها من خلال ممارسة الرياضة والعمل حيث إن طاقة الشباب الجسدية والفكرية والنفسية إن لم توجه وتوظف تنعكس سلباً على تفكير وتكوين الشباب وسلوكهم وتتحول إلى عمليات هدم وتخريب في المجتمع.
وفي مجتمع لازالت تهيمن عليه العادات والتقاليد التي تعيق المرأة من ممارسة هواياتها ،يكاد يكون النشاط الرياضي النسوي مغيب أو بالأصح مفقود في مدينة ذمار التي ينعتها الكثير بالقبلية ولا تجد المرأة الفرصة لممارسة الرياضة الا من أنشطة موسمية محدودة لجامعة ذمار.
ليبقى الفراغ يسكن تفكير الكثير من الشباب وخاصة الفتيات في ظل غياب المراكز والمؤسسات الشبابية الرياضية والثقافية والتي من الممكن ان تستوعب طاقات الشباب الجسدية والفكرية وتوجيهها بما يساهم في صحة المجتمع ونمائه خاصة في ظل الظروف الخانقة التي يعيشها المجتمع بسبب الحرب والتي أثرت على نفسية الكثير وأصابت الكثير بالأمراض النفسية حيث تعد ممارسة الرياضة وسيلة من وسائل الدعم والعلاج النفسي وازالة التوتر والإكتاب الذي أصاب الكثير من السكان.
والذي يتطلب إدراك وزارة الشباب والرياضة لدورها تجاه الشباب عامة والمرأة خاصة والعمل على إيجاد مراكز خاصة لها تمارس فيها هواياتها وتكون متنفساً امناً لها وبما يتوافق مع عادات المجتمع وتقاليده ،والسعي إلى رفع الوعي المجتمعي بأهمية الرياضة صحياً ونفسياً للشباب بشكل عام وهذا مسؤولية الدولة والمجتمع والأسرة.
- نقلا عن ذمار أونلاين