- كتب : محمد ناجي أحمد
رواية “تصحيح وضع” لـ”أحمد زين”،
لوحات قصصية، أو أُطر قصصية متصلة بإطار روائي،يحدد مساره تداعيات حكائية، لـ”قاسم”، وهو يستطرد بمنولوجات داخلية أو حوارات مع الشخصيات الأخرى، واصفا ومواليا للسرد بأحداثه، وحكاياته عن آلام اليمني وغربته المستدامه داخل وطنه، وفي “الرياض” وسوق البطحاء في السعودية، وفي ديترويت بأمريكا. في البر والبحر.
لوحات يلملمها الراوي الداخلي ” قاسم” مفجرا من خلالها مواقف ورؤى ومشاعر عن المغترب والمرأة والمجهول، في تيه اللاهوية، عن مآسي اليمن الكادح، الذي يبحث عن بيت، عن كينونة، تحفظه من عوصف السماء وأهوال الأرض.
دلالة الانتماء/البيت الذي كان عتبة لهذه الرواية، بعبارة مقتبسه عن باشلار، تقول “بدون البيت يصبح الإنسان كائنا مفتتا. إنه البيت يحفظه عبر عواصف السماء وأهوال الأرض”.
هي رواية اليمني في تيهه السردي، أو سرده التائه، والمحاط بالفقر والخوف والمرض. مكثفا الروائي ذلك بعتبة أخرى مقتبسة من شعر عبد الله البردوني، وهو يرسم بورتريها لليمني بقوله :
” عرفته يمنيا
في تلفته
خوف
وعيناه
تاريخ من الرمد”.
رواية تحكي انكسار الأحلام ببناء الوطن/البيت، الذي يقي اليمني من العواصف وأهوال الأرض، بما يتكامل مع روايته “قهوة أمريكية”.
الأحلام التي تكسرت بشقاوة أطفال اليسار، ودموية الطريق الوحيد “وسيحكي عن أخيه الأصغر، تعود هذا منه،بعد كل بطاقة جديدة يقرأها له. كان اشتراكي،ثم ضحك كمن يحكي عن شقاوة طفل، وهو يقول إنه طالماحلم بنشاط حزبي واسع. وباسم حركي “نشوان” مثلا وأن تنشر الصحف صورة بفودين أشيبين وهو يسدد إصبعا إلى صدغه، علامة التفكير العميق، قال أيضا إنه كان مغرما بمدينة عدن وإنها كانت بالنسبة له مثل أي عاصمة شيوعية مشهورة، وفي كل مرة ينوي السفر إليها من الحجرية يقول إنه مسافر إلى مسكو.
“تعرف أن الحجرية هي قرية عبد الفتاح إسماعيل، كان يعبده عبادة، وكانت صورته معلقة على الدوام في حجرته، ” الزعيم الرمز” ينطقها ويؤدي التحية أمام الصورة مثل العساكر، لكن بعد يناير 86 عاف كل شيء””
هي لوحات سردية تنطلق من توصيفها للذات المثقلة بالوطن وبالخيبات، بظلاميات الإمامة، وشقاوة اليسار الطفولي، وكوارث الحروب في المنطقة، التي تحفر أخاديديها في جسد وذاكرة اليمني، عن الوطن الذي “نظل نحمله معنا …كإرث يشدنا إليه…” والذي ربما سيتلاشى ويغيب إلى الأبد في الغربة ” ما المعنى الذي ستصير إليه الأوطان،بعد عشرات السنين في المهاجر والمنافي البعيدة. رغما عنا ستتلاشى وتغيب إلى الأبد، وما سيتبقى منها،يشبه ربما تلك اللمعة التي تبعثها الكواكب المحترقة من ملايين السنين.” الوطن/الموت الذي صار فكرة مجردة ليس أكثر.
- تصحيح وضع- أحمد زين-مؤسسة الانتشار العربي 2004