- كتب: عارف الدوش
في أحد نصوصها الشعرية كتبت سحر :
“سأموت في يوم غائم
أعرف ذلك
ستقف غيمة كبيرة في طريقي إلى السماء
سأقف أمامها عاجزة كالعادة
سأموت في مجزرة
أعرف ذلك
لتدهسني أقدام الأرواح الصاعدة في الزحام
كالعادة
سأطلب من الملاك الحارس أن يفتح لي الباب
حين أصل متأخرة كالعادة
وحين يُطلب مني بطاقة الهوية التي لا أملكها، سيصرخ بي:
عمرٌ كامل لم تستطيعي فيه الحصول على هوية؟!
سأطرق بصمت
لن أقول له إنه كان عمراً قصيراً جداً
قصيراً إلى الحد الذي لم أتعلم فيه كيف أتجاوز غيمة واحدة”. (١)
خلال عمرها القصير (37 سنة)، أنجزت سحر عبده كثيراً من الكتابات الإبداعية المتنوعة بين النقد السينمائي والاجتماعي والسرد الأدبي، وأكثر من ذلك قصائد لا تموت. كان الشعر نافذتها المحببة لاستشراف الحياة والموت؛
كلما قلت مات الهوى، قام من قبره
يسأل الظن عمّا جناه اقتراف النهايات في بعده
الحكايات لا تنتهي
والمحبون لا يسدلون الستار على الحب
والموت لا يكتب الخاتمات
وخوف النهاية يصنع ما يصنع الضد من ضده. (٢)
وبشكل مفاجئ، عن عمر يناهز 37 سنة، غادرت سحر عبده يوم الثلاثاء 28 يوليو/ تموز 2020. يومها كانت وصلت للتو إلى العاصمة صنعاء قادمة من “أرض الصومال” التي انتقلت للعيش فيها برفقة زوجها قبل عام. (٣)
في كلمة وداع مرير، قال والدها عبد الكريم الحكيمي : “في حياتها البسيطة التي عاشتها، أبت إلا أن تكون الحاضر الغائب بيننا”. لم توقف الدموع صوته لكنها خنقته، ومع ذلك أضاف: “كان رحيلها حال وصولها من السفر صادماً، ونزل علينا كالصاعقة. كانت قد عانقتنا فور وصولها، ومع الأسف كان عناق القدوم هو عناق الرحيل”.
في فعالية التأبين، كانت الكلمات تخرج من فم أبيها مترافقة مع دموع لا تتوقف: “لم يعطها الموت فرصة كي تلامس إرثها البسيط الذي تركته بداخل أوراق وكتب ولوحات”. ذلك أن سحر لم تكن تفضل نشر كتاباتها الإبداعية، كالشعر والقصة القصيرة، وقد أكد والدها وزوجها بأن لديها رواية غير منشورة. (٤)
وهي تفتتح فعالية التأبين، استعارت فريال العبسي مقولة شهيرة تقول “إن الأرواح تحلق بين محبيها”، واستدركت “سواء كان هذا حقيقي أو مجرد خيالات المحبين، إلا أنها تظل فكرة مريحة ، أن تكون روح من نحب تحلّق بيننا ، ونحن نتحدث عنها وإليها”. ثم قرأت بعضاً من نصوص الفقيدة ، وخاطبتها : “أهكذا الرحيل يا سحر ! بلا وداع ودون انتظار للعناق؟” (٥)
ولدت سحر عبده مطلع مايو/ أيار 1982. درست الهندسة في جامعة صنعاء، وبعد التخرج عملت لدى العديد من المؤسسات والمنظمات، بينها مؤسسة “بيسمنت” الثقافية، منظمة “مواطنة” لحقوق الانسان، مجلة “نجاح”، منظمة قدرات للتنمية والتدريب، ومنصة “خيوط”. (٦)
رحمة الله تغشاها .. والسلام والطمأنينة لروحها الخالدة .. كتبت خلال عمرها القصير ٣٧ عاما بحبر روحها .. سأحاول الحصول على ما كتبت إن تيسر لي ذلك .. اتمنى طباعة ديوانها الشعري ليبقى تعويذة لمتذوقي الشعر فنصوصها مما قرأت مطرزة بفل الوجدان ومكتوبة بمداد الروح ومرسلة بنسائم الفؤاد وتحاكي الناس مباشرة دون تكلف .. لروحها الخلود ولإبداعها البقاء، والسلام عليها يوم ولدت ويوم رحلت ويوم تبعث حية.
هوامش :
(١) خيوط – مغزل – قصة
“الموت لا يكتب الخاتمات”
فعالية تأبين في وداع الكاتبة سحر عبده
صامد السامعي
السبت, 12 سبتمبر/أيلول, 2020
(٢) نفسه
(٣) نفسه
(٤) نفسه
(٥) نفسه
(٦) نفسه





