- كتب: أكرم المطحني
يحكى أنه في أحد الأيام، وبسبب شظف العيش في المكلا، حزم ابن المكلا سالم حقائبه، مهاجراً لإحدى الدول الأفريقية، وكانت وجهته هي مومباسا في كينيا .
في ساحة الميناء، وقف الثلاثة، سالم وزوجته فاطمة وابنتهما مريم ذات الربيع السابع ..
الوقت يجري بسرعة، وحدقات الأعين تمتلئ بالدموع، وفجأه يرسو قارب صغير لنقل المسافرين إلى ظهر الباخرة.
لحظات عصيبة، قلق توتر آهات وحسرات، حتى أتت لحظة الوداع، وترجل سالم على ظهر القارب الصغير، ويبحر القارب متوجهاً صوب الباخرة الناقلة للمسافرين، وتبقى الزوجة فاطمة والبنت مريم يودعان الوالد .
كانت فاطمة تلوح لزوجها، يد تودع بها زوجها ويد تمسح بها دموعها، تجهش ابنتها مريم بالبكاء، فتحتضنها الأم وتربت على كتفها وخدها لتهدئتها وتطمينها بعودة والدها قريباً محملا بالهدايا.
غادرت الأم وابنتها الميناء إلى البيت بنفوس حزينة وقوى خائرة أستسلمتا للقدر..
بعد شهر ونصف، تصل أول رسالة لفاطمة من زوجها سالم بالوصول، وبعد أشهر من وصوله مومباسا.. أبتسمت له الدنيا وضحكت له الحياة، ويرسل الرسالة الثانية والأخيرة، ويضيع في تخوم التجارة ودهاليز الحياة في مومباسا، ينسى بنته وزوجته ، وينقطع تواصله طيلة ثلاثه عشر عاما، تزوج خلالها من امرأة افريقية ذات أصول عربية ..
حتى أتى يوم وتقدم للبنت مريم عريس.. الأم في حيرة من أمرها الوالد في حكم المفقود، وظروفهم المالية تحت خط الفقر.. كانت فاطمة بين فترة وأخرى تذهب للتجار المتعاملين بالبضائع، من مومباسا وتسألهم عن زوجها سالم فيردون بأنهم لايعرفونه، حتى أتى يوم وقابلت أحد التجار من أهل المكلا، وهناك وجدت ضالتها، فالتاجر المكلاوي يعرف زوجها تمام المعرفة، وأخبرها بأنه مسافر إلى هناك، فألهمها قلبها بفكرة، وذهبت للشاعر حسين ابوبكر المحضار، وحكت قصتها له وأن زوجها الذي تزوجها بعد قصة حب طويله أنشغل بتجارته وتركها ..
فكتب لها هذه القصيدة:
عاد قلبي معك أو رميته
والهوى ذاكره أو نسيته
خذتنا ملك و الملك ريته كان مدفوع
ما مع العاشق بصر غير الدموع
ياحسين النظر رد برده
لا تخلي رفيقك لوحده
بيننا ليه حبل الموده دوب مقطع
ما مع العاشق بصر غير الدموع
حسبك الله ياخل حسبك
ريت قلبي يقع مثل قلبك
راح مني طبيبه وحبك فيه مطبوع
ما مع العاشق بصر غير الدموع
إنت غاية مرادي وقصدي
لك تخلصت واخلصت ودي
ما يقولوه العداء فيك عندي غير مسموع
ما مع العاشق بصر غير الدموع
قلت للقلب اقنع و اصبر
قال لي في القنع لا تفكر
المحبه لها عند كل حر عهد مشروع
ما مع العاشق بصر غير الدموع
ياحبيبي تشفّق بخلك
وارحم المبتلي قبل يهلك
ريت في القرب شملي و شملك كان مجموع
ما مع العاشق بصر غير الدموع
وذهبت للتاجر وحملته الرسالة، التي بثت فيها أيضا كل أشواقها وحبها، وخبر خطبة البنت، وقليل من حلويات بن عبيد في المكلا، والتي كان يعشقها زوجها لعلها تكون جرس يرن في وادي الزوج النسيان .
أستلم سالم الرسالة ومرفقاتها، قرأها عدة مرات وأجهشت عيناه بالبكاء، وتكاثرت أشواقه، وحن ورن قلبه المحزون، وأثارت نار فؤاده وحركت غرامه وأشواقه..
قرر سالم السفر ، والعودة إلى أرض الوطن، فحزم حقائبه وأنجز إجراءات سفره ، وأخبر زوجته وكل أصحابه، وأخذ معه مبلغ ليس بالقليل، رضاء ووفاء لزوجته وفرحة ابنته العروس، وبالفعل وصل عدن ومنها إلى المكلا ليجتمع شمل الأسرة من جديد.
أشتهرت كلمات القصيدة في الستينات حتى وصلت للفنان أبوبكر سالم فكانت من أفضل ماغنى .
شنفوا مسامعكم.