- جمع وتوثيق: محمد حسين العمري
من مواليد 1933 م المتوفي عام 1981م
هو الفنان علي بن علي الآنسي، صوت ذو طعم خاص ولون متميز ما أن تسمع ذلك الأسم وينتابك شعور وأحاسيس الطرب العربي اليمني الأصيل، نسيمات من شعاع الفجر المشرق علي الكون والروح الإنسانية، في أجمل صورتها، بها الشمس في كبد السماء نجوم تتلألأ، بانسجام يغزو القلب مقتحما ذاك الجسد بنغمات، ذلك العملاق الذي رقة له القلوب، ولانت له الحجر ، سبحان من أبدع في خلقك، ووضع فيك تلك الموهبه التي أرويت بها قلوب البشر لم يكن عصرك إلا أشبه بقصص الخيال المنسوجة من وحي الطبيعة..
بدأت موهبته تفرض نفسها عليه منذ الطفولة، حيث كان تميزه في مادة الأناشيد في المدرسة واضحا، وهو الأمر الذي حدا بأستاذ الأناشيد عبدالله الرحبي أن يتولى التلميذ عنايته الخاصة، وتتفتح مع الأيام موهبته أطل على الأغاني اليمنية، التي كانت تردد عبر حناجر الفنانين إبراهيم الماس، وصالح العنتري، وأحمد عبيد قعطبي، وكان وهو يستمع إلى تلك الأغاني يدرك تفاصيل أسرارها الآسرة المنبعثة من سهول وجبال ووديان اليمن، فيزداد تعلقه بها برغبة جامحة في أن يتمكن يوما من اللحاق بموكب هذا الغناء بأحلامهم، صورة زاهية ليمن آخر تتفتح فيه المواهب، وتزدهر الحياة ويرد فيه الاعتبار، لحضارة شعب، وكان علي الآنسي، يلتقط الكلمات الحالمة، من أفواه أصدقائه، فتتداخل مع عالمه الحسي المرهف، وتتشكل قيما وطنية وإنسانية، تصبح جزءا من نسيجه الروحي، وتمر الأيام وإذا بهذا النسيج يتفجر نغما في أناشيد وطنية ترنم بها قبل الثورة مثل “أذن الفجر “.
بعد الشهرة
بدأت شهرته من خلال أدائه للأغاني الخفيفة من اللون الصنعاني، وقد أدى غير هذا اللون، فغنى أغاني من مناطق اليمن الأخرى مثل العدين، ثم أنتقل إلى أداء الأغاني المطولة، أسهم بمجموعة من الأغاني الجميلة،
بعد الشهرة
من خلال مجموعة من القصائد الغنائية التي كتبها ولحنها وغناها و من أشهرها:
(مافي معلم خير)
(فلت يد المخلوق)
(ليلك الليل ياليل)
وغيرها.
أمتلك مكانة كبيرة على المستويين الشعبي والرسمي في حياته، وبعد وفاته لما تميز من صوت حسن وعزف جميل، ولإهتمامه بأنغام التراث الفني والفولكلور الشعبي اليمني، خاصة فولكلور المناطق الوسطى من اليمن، قلد وسام الأداب والفنون من الرئيس علي عبدالله صالح، مرتين بعد وفاته الاولى عام 1984م والثانية عام 1989م، ووسام الفنون من الرئيس السابق علي ناصر محمد قبل قيام الوحدة، وقد عمل في إدارة التنسيق في إذاعة صنعاء ثم في دائرة التوجيه المعنوي والسياسي، غنى وصدحت “السهول والجبال” عند سماعه إعلان الإذاعة نبأ قيام ثورة ٢٦ سبتمبر١٩٦٢م، فتسطر الفرحة على كل كيانه، ويقوده شعوره العفوي إلى دار الأستاذ علي الخضر، أحد أصدقائه وكانت المفاجأة السارة، أن يجد فنانا صديقه الأستاذ علي بن علي صبره، في المكان نفسه، ويتفق الثلاثة على ضرورة تقديم عمل فني، ينقلون عبره فرحتهم إلى كل الناس في اليمن، وكان هذا العمل هو (جيشنا ياجيشنا ) الذي كتبه ولحنه الأستاذ علي الخضر وزمجر به صوت الفنان علي الآنسي وتتوطد دعائم النظام الجمهوري، الذي رهن فناننا نفسه لأهدافه الستة الخالدة، وتتعز رحلته الفنية بهذا النظام، عبر مجموعة من الأناشيد الوطنية، التي ساهمت في شحذ هم الوطنيين، الذين أنبروا للدفاع عن نظامهم الفتي، ومع تطور الأحداث السياسية في اليمن بدأت تلوح في الأفق محاولات وأد النظام الوطني،
وكان عقد المؤتمرات أحد الوسائل التي أريد بها تحقيق هدف كهذا والفنان الآنسي، التي ألتحمت أوردته بأهداف الثورة رفض جميع تلك المؤتمرات، وكان نشيد إرادة أمة الذي كتب كلماته، ولحنها وغناها الآنسي، عقب مؤتمر أركويت عام 1964م، يعتبر أصدق تعبير عن هذا الرفض، والفنان علي الآنسي، الذي تحمس للثورة ظل يعيش في الوقت نفسه هموم اشواقه الفنية، بل ربما كان حماسه للثورة ناجما عن كون ثورة مثل هذه من شأنها توفير تربة مناسبة للإبداع الفني، إلى أن وعيه الوطني ظل ينظم أعماله الإبداعية بتنوع أغراضها، وكان ممثل لقيم الفن السامي، فعند سماع أغنية غزلية ترتفع لك إلى أسمى العلاقات الإنسانية، على صعيد إختيار كلمات لحن وأغنية (نجوم الليل) نموذج لتلك الأغاني الغزلية، وعند سماع أغنية (الحب والبن) يدرك المستمع الجيد، أناقة الآنسي في اختيار مفرداتها النغمية، التي عبرت عن الأبعاد الفكرية والجمالية، وظل الآنسي حريصا على التمسك بالعناصر الجوهرية للغناء التقليدي اليمني، وهو الحرص الذي نجده في الإيقاعات المستخدمة في المقامات وطبيعة الصيغة اللحنية، ويمكن القول أخيرا بأن الآنسي، سيظل علما غنائيا كبيرا وستستمر أعماله تجلجل في السماء محفزة الضمائر والعقول نحو الأسمى والأبقى أثرا .
….
توفي بتاريخ 17/4/1981 م صنعاء ودفن في مقبرة عشة الرعدي صنعاء شارع العدل .