كم هو مؤلم أن تتصفح أوراق التاريخ وتعود بالذاكرة إلى الوراء لتتذكر أن أول دار سينما فتح أبوابه في تعز كان عام 1962م، نعم.. بعد الإطاحة بسلطة حكم الأئمة مباشرة، إذ كانت بيئة تعز الثقافية مستعدة ومهيئة مسبقاً حينذاك.. حتى وصل عدد دور السينما في تعز خلال فترة قصيرة إلى 5 دور سينمائية. سينما (23 يوليو) ، سينما (بلقيس)، سينما (الجحملية) ، سينما المنتزه ، سينما سبأ .
وكانت دور السينما هذه سباقة بعرض الأفلام العربية حيث كان التعاون المصري آنذاك مشهودا في تزويد دور السينما بتعز بآخر انتاجات السينما المصرية والعربية ، ولكن لم يقتصر نشاطها بعرض الأفلام العربية بل تطورت تدريجيا نحو عرض الأفلام الأجنبية أيضاً كالإيطالية والروسية والأمريكية والهندية ، وفق معايير فنية وثقافية ذكية.
واحتضنت المدينة خلال هذه الفترة الفعاليات الفنية والحفلات الموسيقية التي كان يحييها نخبة من ألمع نجوم الغناء العربي وشهدت نشاطا ثقافياً جعلها مدينة حالمة تنافس عدد من العواصم العربية ببنيتها الثقافية والفنية ..
وهناك الكثير من النساء والرجال مازالوا بيننا وشهدوا ذلك العصر الذهبي لموطن الثقافة والحلم، وكيف كانت الأمهات تأخذ أبناءها وبناتها إلى السينما أو إلى حفل ساهر بكل فرح وزهو .. يتذكر جيل السبعينيات كيف فتحت السفارات أبوابها مساء كل خميس لمشاهدة أخر الأفلام بصالات عرض خاصة ومتطورة ، وفي كل أحد تفتح مكتباتها للمثقفين ليحصلوا على الكتب والمراجع وكل جديد الأدب والثقافة ..
حتى منتصف الثمانينيات وظهور الحركات الإسلامية الراديكالية ، بدأ استهداف هذه الثقافة بهجوم كبير ومنظم واعتبارها مشروع فاسد وانحلال اخلاقي ..
من هنا غدا التطرف سلطة وثقافة لتحل اليوم المعسكرات بدلا من دور السينما ..
وهكذا أخمدت جذوة الحلم في هذه المدينة، إلى الحد الذي يمنع فيه عرض فيلم “10 أيام قبل الزفة” قبل أيام على اثر فتوى وحملة تحريضية مرعبة شنها المتطرف العديني والتزمت بها السلطة المحلية كقانون.
كم هو مؤلم يا تعز !!.