- كتب: رياض الجيلاني
بدخول الموسيقار “العالمي” أحمد فتحي مسرح بيتر إليتش تشايكوفسكي في موسكو.. ينتابك شعور بأن الهيبة والموهبة تمثلت في عبقري شرقي جاء حاملا “عودا و ريشة” ليقف الزمان هنيهة بين منزلتين بين عملاقين بين فتحي وتشايكوفسكي…
يبدا فتحي بمداعبة أوتار عوده عازفا مقطوعته ” ساكورا”، وماهي إلا لحظات حتى ترى قائد الأوركسترا يدخل عالما أخرا.. يحدث نفسه قائلا: يا إلهي.. هل كنت أسامر أشباحا قبل أن أستمع إلى تراتيل أوتار عودك يا فتحي !!!!
هل كنت أعيش عبثا وفوضى في الحواس.. سأذهب غدا إلى قبر تشايكوفسي لأخبره أن الجميلة النائمة، ورقصة البجع وكسارة البندق لم تكن إلا بداية الحكاية..
سأخبره هامسا بصوت عال، أن رجلا شرقيا يمانيا اسمه فتحي ولقبه (ملك العود)، بريشة عوده، رفع الحور والصفصاف والكرز عاليا عاليا عاليا ..
يا الهي ماذا فعل فتحي بمقطوعته “ساكورا”؟! لقد جعل أمسيات مسرح تشايكوفسي كأيقونة حجرية قمرية عربية شرقية!!!
وأنت تتابع مقطوعة “زهرة الكرز” أو “ساكورا” ، كما يطلق عليها في اليابان، ترى تجلي عبقرية الملك فتحي في التأليف الموسيقي ..
عبقرية “الريش والوتر”، جعلت العازفين والعازفات “الشقر” لا يرون أمامهم باريس واللوفر ولندن والمدن الساحرة، بل رأوا سائحة أجنبية في صنعاء سام، تلتقط صورا لمشهد أو مشهدين.
وأنت تستمع إلى “دخلة” عود “الزرياب”، في مقطوعة ” زهرة الكرز “، ستجد نفسك أنت والعازفين مجرد خاطرة عابرة.. تحاول أن تنقذ نفسك من الإسراف في الحلم حتى لا تفقد الذاكرة ، فالإبداع ليس له آيدلوجيا وعود “أحمد”، يقول لك إن القاتل والقتيل قد ينامان في حفرة واحدة، مادام هناك عبقريا “عطار موسيقى”، يجعلك وأنت تستمع إلى مقطوعته “ساكورا” ، وكأنك طفل عابر سبيل تسأل الحالمين العابرين في أي نهر تغتسل الشمس مرتين..
لا يمكن لمن يستمع “لجنون ساكورا” أن يرتشف قهوته هادئا كأمير لايبالي بالظلال التي تقف على الحياد.. هذا الجمال الذي يجعلك حائرا كحيرة الريح في خصلة الشعر..
أبدع الزرياب فتحي في زهرة الكرز، إبداعا يجعل الحلم خاضعا لانتظار طويل، على نهد معشوقتي.. فأنا مع هذا الجمال الموسيقى سأصحو بطيئا على وقع حلمي القديم.. سأصحو فقط قليلا لأكتب وصيتي وبعض كلماتي التي لا أعرف لها معنى.
لا أريد لساكورا أن تنتهي ..لا أريد ربيعها أن ينتهي.. ليتها كانت ليلة شتاء عبثية طويلة.. شعور حاصرني وأنا أستمع إليها، ولكنها أسفا كانت سريعه كليل يأوي إليه العاشقان معا.. أو هكذا ظننت.
بعد أن تنتهي من سماع ساكورا، ستصل إلى قناعة تامة تقول لك، إذا كان لابد من قمر فليكن بدرا كاملا وصيا على العاشقين..وإذا كان لا بد من مبدع فلن يكون ألا ملك العود: أحمد فتحي.