- ريان الشيباني
في 2008، وفي غمرة انشغال العالم، بالظاهرة الأوبامية، ونجوميتها
الخادعة، كنت بمعية الأستاذ فارع الشيباني، وأتصفح جريدة، تحوي لقاء، للناشط
السياسي محمد القيرعي، يتحدث فيها عن أن العالم، سيتغير، بصعود رجل أسود، إلى هرم
السلطة، في الولايات المتحدة. قادني هذا الجزم الأجوف، للفضول، فالتفت إلى فارع،
وسألته:
– ما رأيك، بصعود أوباما، في أمريكا؟
قال، مستخفا، بالأمر:
– أوباما، جزء من النظام الرأسمالي، الذي يعمل كمؤسسة بيروقراطية، هي
على النقيض من مصالحنا نحن العرب.
لم يعجبن رأيه، حينها، وكان علي أن أنفق 8 سنوات، لأعرف، كم كان فارع،
كبير، ومتعاف.
سمعت عن الأستاذ فارع الشيباني، عام 2001، حينها كان يرزح في سجن “الشبكة”، بمدينة التربة، إثر إلقاءه خطابا في فعالية انتخابية،
لمرشح معارض.
وكنت قد حضرت هذه الفعالية، ضمن حشد كبير، واستمعت، في الساحة
الترابية، لفارع، وجارالله عمر، وآخرين.
وعند الذروة، عاد كل المحتفلين، إلى منازلهم، باستثناء فارع، الذي
أختطفته، مخابرات، الديكتاتور، وزجت به في السجن.
وفي العام 2003، وقد تعرفت عليه أكثر، وصرت تلميذا له، تقابلنا بضابط
في الجيش، كان على معرفة، بواقعة “الحفل الانتخابي”، ما حدا به لمهاجمة،
فارع، بألفاظ نابية وقبيحة، وتنضح بالعنصرية. أرتعدت فرائصي، لما سمعت، لكن أثار استغرابي،
إعراضه عن الأمر، والجنوح لتجاهله. وبعد أن غادرنا الضابط، لمته، فقال لي:
– ما الذي
تتوقع من هذا النظام، أن يقبل أكفنا؟
***
برأيي أن ما جعل فارع الشيباني، شخصية استثنائية، هي تجربته الرائدة،
في الانعتاق من نير التهميش، وقدرته الفريدة، على الاندماج، في كامل مجتمعه، والنأي
بنفسه، عن إدعاء المظلومية، على وجودها، وبالتالي؛ تأكيد نفسه، كمثقف فذ، وقف له الجميع،
إجلالا.
زرته، في العام 2015، في منزله بريف السويقة، ولمست التقدير الذي يحظى
به، في محيطه، كان حينها منشغلا، بمهمة، تنمية مهارات، طلاب وطالبات، للارتقاء
بهم، وإخراجهم من بوتقة، التعليم الكلاسيكي.
ولمح لي، إلى انزعاج، بعض القائمين على العملية التعليمية، منه، بعد
أن عبروا له عن خجلهم، من تعبير الطلاب، عن أنفسهم، على ذلك النحو.
فإلى جانب، كونه فقيها لغويا، لعب فارع الشيباني، دورا تنويريا واسعا،
في الأوساط الشبابية، منذ لمع نجمه، شاعرا وناقدا، ثمانينيات القرن المنصرم، وكل
الأجيال التي عرفتها الصحافة الثقافية اليمنية، مدينة ببدايتها، لشغف هذا الرجل،
وولعه بالثقافة وتنمية المثقفين.
في آخر اتصال لي به، بداية العام 2018، طلب مني عملا تشكيليا، لكتاب
أحد المتتلمذين على يده.
ففي السنتين الأخيرتين، خفت نشاط الرجل إلى النصف، بسبب مرضه، وإعراضه
عن الحياة العامة.
زرته، في العام 2016، في منزله القديم، دخلت عليه، وهو ممددا على
سريره، يدخن سبجارته، ويقرأ. قال لي:
– هذه هي
قلعة الشيباني، لا أغادرها إلا إلى الحمام، أنفق معظم وقتي في القراءة والتدخين.
في الأسبوع الماضي، حاولت الاتصال به، بداع داخلي، وشعور غريب بالفقد،
رن هاتفه لمرتين، ولم يجب أحد. وهذا اليوم، صعقني خبر وفاته، بينما كان أقرباؤه،
يحاولون إسعافه إلى مدينة تعز؛ ليترك غصة، في حلوق، كل الذين مروا به، وعرفوه.
الصورة: من اليمين فارع الشيباني، أنا، رياض السامعي، نجيب الأصبحي،
في آخر فعاليات مؤسسة السعيد للعلوم والثقافة.