- أحمد النويهي
يحتشد الناس في المناسبات لا اكثر كعادة وموروث اجتماعي لازال يلفت
الإنتباه ، يتبادلون التهاني والأماني ومراراً يتقاسمون التعازي فما فقدته
اليوم قد سبق إليه غيرك ، سنن الكون تمضي غير آبه بما يعتمل على ضفتي
الحياة ، فتقضي النواميس في تبايناتها الحادة لتنجز الاستمرار والديمومة،
الفناء والبقاء ، جدلية الصراع بين الخير والشر وتناقضات اللحظة ، تكتظ
مشاهد عابرة تتكاثف خلالها الدموع لتفيض القلوب من شدة الحزن والفرح معاً،
يغفر الناس في مثل هكذا مناسبة لبعضهم يستسمحون الغياب لتحضر المشاعر وتخضر القلوب لتسقط القطيعة ويحدث الوصل واللقاء ليثمر العناق لحظة صفاء لا تتكرر إلا في النادر .!
بالرغم من ثورة التقنيات وما تؤديه من دور هام في اسقاط جدران العزل كانت مواقع التواصل الاجتماعي تمد الوصل وتنعشه ليحدث الكثير من التقارب
والاتصال الا ان الحضور يبدد الغياب لتدون المشاعر على حقيقتها وسجيتها بلا رتوش ومساحيق ، لنعاود السطوع بلا برتكول وتنميقات الفضاء الضوئي وإن كانت لغة العصر واحدى اهم ادواته التي حولت العالم لقرية كونية من السهل التنقل فيها والوصول لأبعد مدى من خلال لمسة زر لتبدو وسط المشهد كما لو تمزق
ستائر النسيان والبعد والغياب .
من يعود من مناسبته ولم يغادر مربعات القطيعة والثأر فقد ظلم نفسه وتجنى عليها وربما يلحنه الآخر حين ترمقك عيونه الدفينة بنظرة ليس فيها عتب لكنها تفصح عن نفس مصابة بمرض قد يكون مزمن وصعب العثور على علاجه إلا في مثل هكذا عيادات نفسية اعتادها وارتادها الناس ليتداولون الحديث عن ظروفهم ومعاناتهم وانجازاتهم كما لو يفضفضون لحظة تحت منخفض اللقاء ليتناسوا الجراح الغائرة حين يرمم البعض بهمسة ود كيف حالك ؟
السؤال عن الحال وهذا الحال لا يستقر لكننا ابداً نتعاطى بايجابية لنرد بأحسن حال .
هكذا نبث الطمأنينة ليتدفق السلام في الأرواح المتقابلة وربما في غابر الايام كانت متقاتلة على بعض منفعة او متاع..
صناعة السلام ممكنة ومتاحة ومن السهل علينا أن نصبح ونمسي بالف خير إذا ما تدحرجت من صدورنا كتل الحقد والسبقية والترصد .
حين تنصت للآخر وقد تبدل الحال تتهجد باعماقك الحياة لتعاود الشغل على أنسنة روحك المرهقة حين كان ولابد أن تعمل على قيد حالتها بصفحة اليوميات ك مرهفة لتبقى وترقى ، يتفاقم الصراع من حولنا واحياناً دواخلنا نتيجة تطاير روائح الباروت لننشق كتلة ضجر تكبر لتنعكس على الأداء اليومي لوقع الخطوات التي تقدم عليها دونما التحقق من جدواها ..
كم مرة تعرفت على نفسك ؟
من خلال الآخر لترقى العلاقة في حدها الأدنى تستطيع ترجمة النص الذي يحتشد أمام عيناك لتلتقط صورة تختزل ما لم تستطع قوله ، تتزامن المناسبة واحياناً تتعارض لتجدك تفاضل بينهما أيهما أولاً اين تذهب لتقدم الواجب ؟
الدعم النفسي هذه احدى اشكاله واهمها .
تبقى مفارقة شديدة التضاد حين للفرح موعد تدركه بحساب الوقت ، أما الحزن
فقد يدهمك دونما تشعر إلا وانت تتلقى صفعته القاسية برحيل عزيز لديك ..
تحتشد العبارة لتترجم ما تيسر من لهفة وحب وحزن بين اللقاء والوداع تترقرق القلوب لترتخي سحب الحنين المثخنة بالغيم والمطر، عن الموت والميلاد وجدلية البقاء والفناء لا زلت اثرثر
حين يتناوب بخاطري الفرح والغناء ومراراً يستبد الحزن والبكاء ، تبقى الحياة مساحة ومسافة لكل التناقضات التي تتشكل من خلالها القيمة المعنوية لمعنى أن تحضر في الحد الأدنى كتلة مشاعر ملفوفة بعطر الود والورد.