الفنان التشكيلي اليمني حكيم العاقل
- كتب: مصطفى بوسنه
لا يستثني حكيم العاقل في أسلوبه التشكيلي الفكرة التي تجمع بين الهوية والأرض والمرأة بكل جمال حضورها المنمق بالبهاء بالضوء بالظل بالثنائيات التي تشبه الواقع،
حكيم العاقل لا يرثي من خلال رسومه بلاده بقدر ما يحاول أن يسعدها مثلما يُسعد مشاهدي لوحاته، هو داعية أمل بالرغم من أنه يعرف أن أمله لن يتحقق إلا إذا حلم يمنه بالطريقة التي يحلم بها.
هو رسام منذور للسعادة في مواجهة تعاسة الواقع الزائل، ذلك ما يشجعه على مقاومة الواقع فهو يعرف أن الجمال لا يُقهر. الجمال أبدي.. في فن العاقل، وهو الفنان الذي قاوم الحرب ونجا منها بفنه، يضعنا في قلب الحقيقة التي يفر من مواجهتها المتحاربون، هناك يمن آخر، هو ذلك اليمن الذي لم تتمكن منه الحرب، هو يمن حياة الناس العاديين، تلك هي حديقة الرسام الجمالية وهي ذاكرته التي يبشر من خلالها بالسلام ..
ولأن اليمن كنز الحكايات العربية المحلقة بروح شعريتها فقد وجد العاقل فرصته في أن يصف ما يراه بطريقة شعرية توصل الوصول إلى رعشة الوجود.
أغلب أعماله فى رسم الخطوط ورشاقتها وتقاربها وتباعدها ودقتها وعبقريته فى ألوانه المبهرة للنظر التى تمثلت فى قدرته الفائقة على التوفيق بين أشد الألوان تضاربا مثل الأحمر والأخضر، والأزرق والأحمر، والأسود والأبيض فهو الفنان يعتبر من أحسن الملونين فى الفن العربي الحديث” ولعل الألوان المتضاربة هى السمة التى تميزت بها نزعته التشكيلية فى حدتها المناقضة والصارخة للواقع مع إعادة تحليل للأشكال وإغفال المنظور، “إن التعبير عنده ليس بالضرورة أن يتمثل فى الحركة العنيفة أو فى الوجه الذى يعكس عاطفة متوهجه بل انه يتمثل في النسب الصحيحة والأشكال التى تشغل اللوحة وزخرفة العناصر التى تتحد فى الفراغ بتنوع غير ممل معبرة عن مشاعر الفنان والاهتمام بكل جزء فى اللوحة سواء كان مرئيا أو بعيدا فى الفراغ وانسجام جميع العناصر مع بعضها البعض ببساطة “
ينقل العاقل ، الحياة اليومية اليمنية كما لو أنها نوع من الاحتفال الدائم بالمعنى العميق الذي تنطوي عليه، لذلك تبدو رسومه لمَن لا يعرف اليمن خيالية، تخون الواقع في لحظة إلهام.
ولعل الكثير من المتذوقين والنقاد دائما يشبهون لوحاته أنها تشبه رسومات غيستاف كليمت ، والإتجاه الوحشي لما تحويه من بهجة للعين لا تخلو من العفوية التلقائية والتسطيح فى العناصر فهى تلك التلقائية التى تنم عن البراءة فى الرؤية التى تسبق التفكير المنطقى، “إن ما يهمه هو الانطباع للمزاج الكلى للوحة ” مما يؤكد اهتمام نزعته بالمساحات والفراغ والنسب والانسجام بين مكوناتها بما يحقق الإحساس بالارتياح البصرى للمشاهد، وتبعد كل البعد عن الروحانية أو النقد للحياة والفنون التى تأثرت فيما مضى بالاكتشافات العلمية.. كما فى حالة التأثيرين وتأثرهم باكتشافات علم الضوء، فقد أضاف الفنان الرؤية المركزية التى ركزت فى شكل ومضمون وتبسيط موضوع العمل فى بؤره ثابتة لاتجاه واحد للعين فقد أعتمد على النظريات الفسيولوجية فى جعلها مبدأ للتكوين فى أعماله الفنية.
شعرية المشهد الذي يرسمه تقوم على الإيقاع الموسيقي لديه داخليا، يتصل بطبيعة العلاقة التي تقيمها شخصياته بالعالم، وهي علاقة تظل على قدر كبير من السرية، وهو ما أنقذ الفنان من الوقوع في الوصف السردي. فالمشاهد التي صورها الفنان تبدو كما لو أنها ملتقطة من مكان خفي لما تنطوي عليه من بوح آسر.
رسم العاقل نساءه بطريقة أقرب إلى الغزل منها إلى الوصف غير أنه لم ينس المشهد اليمني الذي يحيط بهن، وإن لم يكن ذلك المشهد حاضرا فإن الرسام لجأ إلى حيلة الزخرفة التي استعارها من الفنان الفرنسي هنري ماتيس ليؤكد من خلالها يمنية نسائه.. نساء يمنيات كما لم يرهن أحد، هن نساء الداخل اليمني اللواتي تنقلهن رسوم العاقل إلى العالم الخارجي، وهو ما يفرد لتلك الرسوم مساحة في الكشف عن عالم يقع خلف أسوار التقاليد.
معجمه اللوني متشعب وواسع بحيث يمكن القول إنه يضع اللون ليصغي إلى صوته، فلكل لون صوت يميزه وهو ما يعيده إلى الموهبة اليمنية في استنطاق الطبيعة شعريا..
فن العاقل هو بمثابة وثيقة جمالية، سيكون على الأجيال اليمنية القادمة أن تضعها موقع تقدير لكي تتعرف على نفسها.. في اليمن الذي يراه ويصفه ويتخيله هو ليس يمن المتحاربين .
- ناقد جزائري