- ضياف البراق
نقرأ في ترات أسلافنا حديثًا قاسيًا (حاشا أن يقوله نبي، أو إنسان عاقِل!) يقول ببساطة: أكثر أهل النار النساء!
يُعلِّقُ سفيانُ الثوري على هذا الحديث: “عجبتُ لكون النساء أكثر أهل النار مع أن الرجال أعمالهم أقبح من أعمالهن”. وهذه حقيقة.
وخذ تعليقي الصادق: لا يجعل النار بردًا وسلامًا، سوى المرأة وحدها. لا أحب حوريات الجنة، لا أريدهن، أريد واحدةً من نساء الدنيا، واحدة فقط.
صحيحٌ، المرأة مُبهَمة في كثير من الأحيان، ثمة غرابة تنضح بها طبيعتُها، إذَنْ هي جميلة جدًا. لأِنَّ، كما يقول الفيلسوف أوشو، كل ما هو جميل هو مُبهَم. صحيحٌ هذا. ومن العبث أن تحاول معرفة لماذا هي غامضة أحيانًا، أو غير مفهومة. جمالها الداخلي عميق جدًا، فلا تأخذها من جسدها فقط. إذا حاولت أن تفهمها بمعزل عن الحب والعناق، ستفشل بالتأكيد. بالحب وحسب، وفي العناق وحده، نستطيع إدراك ما يدور في أعماقها، وعندئذٍ نفهم تقلُّباتها وتحوُّلاتها وتساؤلاتها. ما أجملَها بهذا الغموض الخفي!
مرّة أوشكَ صديقكم أن يموت جوعًا، لقد أفلسَ تمامًا، فأنقذته امرأةٌ، هبطت عليه فجأةً، لم يكن ينتظرها، أعطته أكثر مما كان يحتاج، وقالت له: لا تخف، فهذا قلبي دائمًا معك!
ومرّة كان وحيدًا حتى الموت، يتعذّب بصمت، يختنق باليأس، فانتشلته امرأةٌ من ظلمات اكتئابٍ مُزمِن، وقالت له، بشغفٍ ماطِر، وهي تبتسم له من كل قلبها: لا تتوقف هنا، دع نهر الحياة يأخذك معه قُدُمًا. وكانت هي هذا النهر!
ومرة كاد يموت من تقلصات جرثومة المعدة، فأعطته العلاجَ امرأةٌ، على حسابها!
ومرة كان مزنوقًا، لا ذنب له، ذات ظهيرة سوداء، فحررته من عُنْف أولئك السفلة، امرأةٌ تعبر الشارع، لا تعرفه ولا يعرفها، إذ صرخت عليهم بغضب: هذا ابني، اتركوه، فتركوه!
تدفعه المرأة لكتابة الشعر، لكتابة حياته، لمعانقة الحرية، كما تدفعه دائمًا إلى أعماق الحياة. لا تذهب بعيدًا، فتّش عن الله في كيان المرأة الداخلي، فتّش عن المعنى الحقيقي في كلماتها الطيبات، في عذوبة أنوثتها الخضراء، في دموعها، في خطواتها التي تشبه دقات القلب الصوفي.
إذا ضاقت عليه حياته، ينصرف بسرعة إلى امرأة تنقذه بكلمة حب، بلمسة حنان، بهمسة أمل، بنفخة سلام من روحها. الخوف يدفعه للبحث عن حضن امرأة، للارتماء في عالم المرأة الجميل، حيث الأمان ينتظرنا هناك، فقط هناك، بشوق وفرح شديدين.
شعوره باليأس، علاجه امرأة، انهزامه من الحرب، علاجه امرأة، وجعه من الحياة، تشفيه امرأة. كل كوابيسه وأحزانه تزول إذ تعانقه امرأة!
صديقكم لا يستطيع هنا تعديد المشكلات والنكبات والزنقات، التي نجا منها بفضل المرأة، بمساعدة منها، بموقف من مواقفها الكثيرة النبيلة، بنبضة من حنانها الذي لا ينقطع.
الحقيقة التاريخية تقول، والواقع أيضًا من حولنا يقول: المرأة أكثر عطاءً من الرجل، في شتى الأماكن وشتى الأزمان. هذه المرأة التي هي أكثر من الرجل، هي كذلك أكثر من الحياة.
إذا فقد هذا العالم طيبة المرأة، سوف يفقد توازنه الداخلي والاجتماعي، ثم سينهار كله، أو سيغدو مثل غابة متوحشة!
وهذه الحياة تفقد نورها ومعناها، إذا غاب عنها وجه المرأة المُضيء. الحياة مستحيلة بغير حنان، والمرأة هي منبع هذا الحنان الدافق علينا باستمرار. حتى الكتابة مستحيلة بغير المرأة، فلكَمْ هي عظيمة!