- كتب: المقالح عبدالكريم
2– كائنات
بوصلة..!!
ومنذ بداياتها الأولى.. ساكنتها هواجس عدة..
جعلتها تنشغل في هموم تفاوتت بين الذاتية والموضوعية..
حيث أصبح يشغلها ” التفكير في إشكالاتي الناتجة عن كوني امرأة في مجتمع ذكوري “
ما دفعها إلى التحرك في اتجاهين :
أولهما بحثها عن ” صيغة للتعامل مع العالم الخارجي “
وثانيهما البحث عن لغتها الخاصة لتجاربها :
” وأحاول أن أجدني في أسلوب ما..
كما أطرح موقفي من كل ما حولي في الأعمال التي قدمتها على استحياء “
في فترتها المبكرة تلك..
تأثرت كثيراً بقراءاتها الواسعة..
التي تكاد تغطي معظم المجالات المعرفية،
نتج عن ذلك كم وفير من البورتريهات لعدد من رواد المعرفة الإنسانية أمثال:
” بابلونيرودا- جوركي- بريخت – بيتهوفن- أمل دنقل- طاغور- غاندي”
ومن الشهداء ” سناء محيدلي وسليمان خاطر”
لكن سرعان ما تعالت صافرة الانذار..
مع اهتزار جنوني لإبرة البوصلة السحرية التي يعرفها غالبية المبدعين
تحت مسمى واحد هو القلق
والذي أوصلها إلى منزلق شعور داخلي مؤداه :
” أن لا جدوى من لغة كهذه “
وما ذاك إلا لإدراكها المسبق ووعيها التام بماهية الفن وشروطه..
من خلال عدد من القواعد والوصايا..
التي ربما تبدأ من التنبيه الأرسطو طاليسي :
( ليست مهمة الفن تقديم الشكل الخارجي للأشياء بل تقديم مدلولها الداخلي )
وقد لا تنتهي عند رؤية المبدع خالد الذكر بول كيلي والتي تنص على أن :
(الفن لم يوجد لينقل صوراً مماثلة للمرئيات..
بل ليوفر رؤية لما يقبع خارج حدود العالم المرئي )
وعليه كان أن اندفعت الفنانة آمنة النصيري نحو تقرير الإبداع لا متناهي الكمال..
بعد أن تملكها مجدداً :
” هاجس البحث ثانية لتجنب المباشرة والفجاجة في التعبير “
أدوار
وهكذا كان أن وضعت الفنانة آمنة النصيري تجربتها الإبداعية..
في مسار انطلاقة مشروعها الفني الذي ستتبازغ في فضاءاته مشاهد..
إن اختلفت ألواناً وتعددت خطوطاً.. وتفاوتت أشكالاً ومضامين..
إلا أن مدارها سيظل أفقاً لا نهائي الاتساع يضم بين أرجائه روافد ” كائنات “
والتي أطلعها ولا زال من رحم الغيب..
عدّ هائل من الأحداث والمواقف التي مرت بها الفنانة وعاشتها وعايشتها..
متأثرة بها مؤثرة فيها..
وهو ما يلمسه أي متتبع لمختلف محطاتها الحياتية..
التي زادت من رصيد نضوجها الفني..
وبدرجات متفاوتات كان لها التأثير العميق في تطوير أساليبها وصقل أدواتها..
عكس إيجابياً مدى ما أغتنى به وعيها الفني بالكثير من الأفكار والرؤى والمواقف..!!
ولعل أولى وأهم تلك المحطات هي الحياة الجامعية وبمستوييها المختلفين الأقرب والأبعد، فخلال الأول منهما – الأقرب – ونتيجة لمعايشتها
نمطاً خاصاً من الظروف والأفكار والمواقف..
كان من البديهي انطباع كثير منها في وجدان الفنانة..
ما جعلها تلجأ إلى النص البصري..
لتقول عبره ما يعتمل داخلها من أحاسيس ومشاعر ورؤى دفعتها إلى الانطلاق
” بنزعة تعبيرية مرمزة،
أشير إلى الإشكالات الاجتماعية وبخاصة ما يتصل بمعاناة المرأة
كما صورت كائنات وحيدة.. محجوزة داخل عوالم مغلقة ” ..
أما في المستوى الأبعد – وهو الخاص بفترة دراستها الأكاديمية خارج اليمن –
فقد حصلت الانتقالة الأهم والأكبر في حياة الفنانة آمنة النصيري..
نتيجة تضافر عدة عوامل..
تقدمها على وجه الخصوص:
انفتاحها على مجتمع آخر جديد مختلف بكل ما يحفل به من
” ثقافة وخبرة لم يكونا ليتوفرا لي لو ظللت داخل مجتمعي المحلي “
إضافة إلى عوامل أخرى.. تعتبر في مجملها ذاتية..
أغلبها ما اكتنز في فكرها ووعيها من معطيات مجتمعية..
ضاعفها أكثر وزاد من حدتها على نحو مباشر وفتاك..
الشراكة الزوجية التي عقدتها على آمال وأمنيات..
لم تورثها غير كارثة فادحة..
اختصرتها الفنانة نفسها في شهادتها بثلاث كلمات هي:
زواج غير سعيد
” حيث لم يكن من السهل عليّ أن أكون زوجة وأماً وطالبة وفنانة في ذات الوقت “..
وهكذا، وما إن جربت وفشلت..
وحاولت وخسرت التكيف مع متطلبات مؤسسة الزواج التقليدية
سرعان ما أثبتت الفنانة آمنة النصيري لنفسها أولاً قبل سواها
مدى إخلاصها المتفاني لاشتغالها الإبداعي،
فمع ماضي أعوام يباب من الوحدة..
وافتقاد البهجة الروحية عمقها..
واللهاث اللا مجدي في متاهة مفرغة..
توصلت إلى خلاص مريح تمثل في
” حل لإنقاذ ما تبقى من عالمي المستلب..
سوى الانفصال وهو فشل تجنبته بشتى الصور..
إلا أنه صار ضرورة وبالفعل استعدت أشياء مهمة “..
في قائمة طويلة ترأسها: الترميم الذاتي..
والذي غير في كثير من رؤى الفنانة،
بل وحتى أدائها الفني الذي وعلى نحو واضح ومعمق..
انعطف بها في مدار إبداعي مغاير لما سبقه تماماً من أوجه كثر..
جاء ذلك كله بفعل انهماكها اللامتناهي مع موجة قزحية الأطياف..
من مشاعر وخبرات ورؤى جعلتها تنتج
” تجارب ذات لغة لونية لم أكن نفسي أتوقعها،
كان العالم الذي تمثله النصوص حباً مفعماً بالحركة والانتشاء..
تتداخل فيه الأمكنة اللاواقعية بالكائنات..
منسوج بمفردات ولغة لونية صريحة حد الطفولة..
كما غابت العلاقات المباشرة بين النصوص والواقع “.