- عبدالملك الحاج
اشتهر السيد (الهويدي) الاسم الذي انتحل شخصيته المغبش حيث كان يقوم بمعالجة العديد من الحالات النفسية المصابة بالهلوسة ومس الجن والعفاريت وغيره، فالحالات التي كانت تاتي لم تكون محصورة فقط على الاماكن المحيطة بسكنه بل توسعت وشملت بعض من الحارات الاخرى المجاورة، وتوسعت شهرته بشكل اكثر حتى وصلت تلك الشهرة الى اسماع اليمنيين المقيمين في دردوا.
اصبح المغتربين اليمنيين في هذه المدينه يرددون هذا الاسم لكنهم لا يعرفون من هو هذا السيد اليمني الذي انتشر صيته فجأه وتوسع بهذه السرعه، لا احد يعرف من يكون او من اي المناطق هو، اما “سعيد عبده” احد المهاجرين بالحبشة منذ مدة طويلة ويمتلك محل للخياطة في احد الشوارع الفرعية وفوق هذا فهو متزوج من إحدى النساء “الدرداويات” منذ عشر سنوات، فقد عرف بان هذا الاسم هو اسم السيد الهويدي ولي الله المشهور والمعروف في منطقته باليمن، لكنه متوفي منذ ما يزيد على ثلاثمائة عام ومدفون في ضريحه بمقصورة “نجد الفغيرة”، فيستغرب كثيرا ثم يتساءل مع نفسه ربما يكون احد احفاده قد وصل الى الحبشة، او يكون هويدي آخر من المناطق الواسعه باليمن، او ان هناك شخص ما قد انتحل اسم السيد الهويدي ويعالج باسمه، احتمالات كثيرة دارت برأس سعيد عبده…
توجه سعيد عبده الى المكان الذي يتواجد فيه السيد الهويدي.. وكانت بإستقباله هناك برجيتا التي طلبت منه ان يعود اليوم التالى وقت الظهيرة فالسيد اليوم مشغول بالحضرة… لاحظ سعيد عبده ان معظم المتواجدين من النساء والفتيات من مختلف الاعمار.
قبل مغادرته المكان سمع صوت “مرفع ومزمار” من الحوش الخلفي المتصل بالمنزل والذي تقام فيه الحضرة فاستغرب مما يجري.. فإيقاع الطبل ونغمات المزمار لا تشبه الايقاع الحبشي، مالذي يحدث إذا ؟ انتظر قليلا واذا بالطبول والدفوف الحبشية تعزف ذلك الإيقاع الافريقي السريع والصاخب واصوات نسائية تردد تلك الاغاني الحبشية، ومع هذا لاتزال وقع ضربات المرفع اليمني ونغمات المزمار تصل الى اذنيه.
عاد سعيد عبده بحسب الموعد لكنه تأخر قليلاََ ووصل الى مقر الهويدي بعد الظهيرة لكي يكون آخر الداخلين للسيد حتي يحظى بالفرصة الكافية للتحدث معه، وبينما كان سعيد ينتظر حتى يحين دوره.. تناديه برجيتا للدخول.
يدخل سعيد عبده الى السيد الهويدي فيصل الى مكان يبعد عن الدكة التي يجلس عليها السيد بمسافة خطوات ويقف هناك فيشاهد السيد يلبس العمامة والجبة السوداء والشال الطويل الذي يطويه على رأسه وعنقه وفي يده مسبحة كبيرة تتدلى على صدره، وأمامه (مبخرة) عريضة يشتعل الجمر فيها.
يظل سعيد عبده واقفا في مكانه يتأمل للسيد فيراوده شعور بان شكله ليس بغريب عنه وبان ملامحه مالوفة لديه، لم ينظر السيد للقادم بل كان مغمض العينين يتمتم ببعض الكلمات غير المسموعة ويحرك رأسه انه منهمك في عالم اخر، ثم ياخذ بيده بعض من الفوح والبخور ويضعه على تلك المبخرة واذا بالدخان ينتشر في جميع أرجاء المكان…
وعندما خف الدخان قليلا عرفه سعيد عبده فيقول:
المغبش بشحمه ولحمه، مو اندك للحبش.
يرتبك المغبش فيشعر بان امره انكشف فيرفع صوته وهو يقول:
حي حي سامحوه سامحوه..
سعيد عبده :
يسامحوك انت اما انا اعرفك مثلما اعرف نفسي نعم اشتتغابي عليا.
المغبش :
مو بك تهذرف.. اغضب شيطانك قبل ما اخلي الجن يرغثو بك الان.
سعيد عبده :
لكن خليهم يضربوا بي حنوب….. انت المغبش يعني المغبش.
يتقدم الى جوار المغبش ثم يقوم بنزع الشال عن رأسه ووجهه، فيحتضنه المغبش ويستمران يتبادلان الحديث الطويل.
المغبش :
كما اشتفضح بي أنا عند الله وعندك..
سعيد عبده :
ولا عليك اطمئن.
المغبش :
خلاص اليوم انت ضيفي شغديك كبش بحتاليله.
سعيد عبده :
لا حرام ما تكون الا ضيفي.
المغبش :
الغداء عندك والسمرة عندي شنخزن ونقربع ونزط للصبح خليه لكن تحبل بربح.
يذهب المغبش مع سعيد لتناول الغداء في منزله واثناء توجههم الى هناك قاموا بشراء عدد من رباط القات البستاني والمسماري (نوعين من انواع القات الهرري) وبعد وصولهم الى منزل سعيد عبده يتناولان الطعام ويتبادلان الحديث فيقول سعيد للمغبش:
- باين عليك رغبت بالحبشة.
- افدوك وسعيد غارق من القفداح لا الصرماح ما
تراش الخراعيب انواع وأصناف. - خلاص نسيت نعمة مع تشاش تروح.
- اسيب الملاح واروح ادور رباح انت بعقلك…
يضحك ثم يقول.. عاين الجحبار الواحد منه
جهب.. الترفات والمربربات مو مثل حقنا
قفحات تقول الا قرامد هيا روح اجشب
لك قرماد… ثم يضحك بصوت مرتفع. - اسكيت لما اخترت هذي الشغله امانه انه راكب
علوك طبق… الا الاسم معرفتلوش، مع اخترت
الا الهويدي يا مغبش والله انه شنصفبك. - الهويدي كان يسرح يتحقن من رأس الجبل بالصلال ويتقلب من مسالق عامر لما يصل اسفل الحياجن.. ولا يوقع به فخط، ولا الكوز يكتسر، كان اللي ما تبننش يسدح على ظهره وحبلت، واللي ما تتزوجش يذرع له واتزوجه اليوم الثاني.. واللي يمرض ابنه تنذر له بمولد والا ذبيحه.. والذي تضيع ضايعه تندي سكر احمر وقالت الا يامدهم.. ما تزهد الا والضايعة دجاهه، يقاطعه سعيد عبده:
- منوه مدهم هذا.
- الجني حقه…
- نعم شجي ازيد من بن علوان.
- هم بني عم ما فيش فرق بينهم، انا كما بي
نفحة من حقهم. - يا خوفي لا تكون النفحة نفخة وتطيربك
عرش…