- ضياف البراق
بطمأنينة عميقة كنتُ أكلّم نفسي: أنا عاشق كبير للحياة ولكن هذه البلاد تضيق على وجهي يومًا بعد يوم. غير أن العاشق الحقيقي لا يستطيع اليأس الضاري اختراقه. سأكون ذلك الإنسان المتمرد الذي يتحدى كل شيء، ليعبرَ بسلامٍ وشموخٍ إلى قمة النور العالي. سأهزم كل أنواع الخوف، وكل ألغام الطريق، ولن أقف عند نقطة واحدة في الوجود، حريتي الصادقة هي التي ستنصرني على أعداء كينونتي. بحياتي، لن أسحبَ انتمائي الكامل للحرية الكاملة. وأنتهي هنا من تكليم نفسي.
وقبل أن يتسلّلوا إليَّ من ثُقبٍ قديم في السقف، ليلًا، كالوحوش الضارية، كنتُ أكتبُ شيئًا إلى مستقبلي العزيز: نَعمْ أنا مُتخبِّط أحيانًا، وعبثي أحيانًا، غير أنني صادق معك في الكثير من تقلباتي المزاجية وكلماتي القلبية وأنفاسي، لا أفعل شيئًا من دون صدق، الصدق عندي هو أساس التقدم في الوجود، طريق الوصول إليك، لا أحمل الكراهيةَ لأحد، لا أطمح إلى أكثر مما أستحق، أحلامي قليلة، لا أرغب بترك شهوة الحياة، ولا بالتخلي عن أيِّ لونٍ من ألوانها، إنني أريد البقاءَ هنا مع جميع هذه الأشياء البسيطة، وأريد البقاءَ مع الأمل واليأس والفراغ والكتابة والتعب اليومي، والبقاء فيك، إنّ لحظاتي السعيدة هي هذه التي تنبثق منك، من حالة قلقي عليك، من جنون انفعالي لأجلك، ومن فوضاي المستعصية على التفسير والعلاج. أنا بخير يا جداري الأخير، وسأنتمي إليك دائمًا. كلانا إلى النصر والعناق.
وتسلّلوا إلى نبضي، بغتةً، ويتسلَّلون الآن من ثقوبٍ كثيرة، يحاولون اِلتهام وجهي الجديد المُختلِف، يغتالون الهواء والضوء والكلمة، يصرخون بعنف ساحق، وينتشرون في كل المكان، كالعناكب، إلّا أنني لا أرتجف منهم، مع أنهم لا يتركون لي فرصةً للدفاع البسيط عن وجهي، التهموا المساحة كلها، إنهم النابغون في قتل الأمل، في إفساد الهدوء، في تكثيف الزيف وتنويعه، هم هذا الحريق الزاحف الذي لا تحتمله طاقة اللغة ولا تكفيه جميع هذه الجهات، الحريق الذي يبتلعني أنا وكل شيء، ولا يموت من التخمة والتعب.